(القصص الأمريكية المتحدة)

هذا العنوان الغريب هو لواحد من أهم الكتب التي درست المتوالية القصصية، صدر عام ١٩٩٩ للناقد السويدي (رولف لندن) أستاذ الأدب الأمريكي في جامعة (أبسالا) السويدية، الذي كرس معظم جهده لدراسة هذا الجنس الأدبي وما يجاوره، ويعمل الآن في بحث يقارب بين المتوالية القصصية والروايات والأفلام المتسلسلة.
يشير العنوان بصيغته هذه إلى قضيتين؛ أولاهما الترابط بين القصص التي تؤلف المتوالية القصصية الذي عبر عنه بكلمة united، وثانيهما هي أن هذا الجنس السردي يعد ظاهرة قارة في الأدب الأمريكي أكثر من غيره.
يرى (لندن) أننا إذا تخيلنا خطا يربط بين الرواية والقصة القصيرة فإن المتوالية القصصية تقع على هذا الخط بينهما ولكنها ليست ثابتة على نقطة محددة منه، بل تتحرك لتقترب من المجموعة القصصية تارة ومن الرواية أخرى. ولذلك اختار تسميتها (مُركّب القصة القصيرة Short story composite) بدلا من (المتوالية القصصية، حلقة القصة القصيرة، الرواية المركبة)، لكنه يرى أن الأسماء الأخرى صالحة لبعض أشكال المتوالية القصصي.
يبدأ (رولف لندن) كتابه بفصل تأسيسي عنونه (التعريف وحدود الجنس)، وفي التعريف يتبنى تعريف (فورست إنجرام) الذي رأى أن المتوالية القصصية هي كتاب يتضمن مجموعة قصص قصيرة، كل منها يمكن أن تقرأ منفردة، لكنها ترتبط ببعضها بحيث تؤدي إلى تعديل تجربة القارئ كلما قرأ قصة أخرى منها.
لكن المهم في الكتاب كما نرى هو بحثه في حدود هذا الجنس الأدبي الملتبس، فقد ناقش أهم الدراسات السابقة التي عدت المتوالية القصصية جنسا أدبيا لكنها اختلفت في تسميتها بما فيها دراسات (إنجرام) و(لوشر) و(كندي)، وقرر أن سبب الاختلاف في التسمية يعود إلى الاختلاف في التعريف، ويحاول حل الخلاف بوضع فهم جامع لحدود الجنس الأدبي.
إن كل الأسماء المقترحة قبل كتابه هذا صحيحة كما يرى (لندن) لكنها أسماء لأجناس فرعية (sub genres) يحتويها الجنس الرئيس (مُركّب القصة القصيرة)، فكلما تحرك هذا الجنس الأدبي على الخط الواصل بين القصة والرواية تحول إلى جنس فرعي آخر، ويحدد تلك الأجناس الفرعية بأربعة، على أنه يشدد على أن هذا ليس تحديدا صارما، فالطبيعي عدم وجود فصل حاد بين الأجناس الأدبية ويضرب مثلا لذلك بعض النصوص التي يصعب تجنيسها فتتأرجح بين قصيدة النثر والقصة القصيرة.
أما الأجناس الفرعية الأربعة للمتوالية القصصية فهي:
أولا/ حلقة القصة القصيرة short story cycle: وهي مجموعة قصصية مترابطة بشكل دائري، فالقصة الأخيرة تنطوي على قرار نهائي، وعودة إلى البداية. ويضرب مثلا لهذا النوع المتوالية القصصية (التفاحات الذهبية) للقاصة (يودورا ويلتي)، فالراوي في كل القصص شخصية تدعى (كاتيا ريني)، عدا القصة الأخيرة التي تصور جنازة السيدة التي كانت راويا في القصص السابقة.
ثانيا/ المتوالية القصصية short story sequence : وهي القصص المرتبةعلى وفق تسلسل زمني على أن لا يتحول إلى حبكة. فقد يكون موضوع القصص مثلا مواقف لشخص أو جيل تحصل في فترات زمنية متعاقبة. ومثاله هنا متوالية فوكنر (الصامد The unvanquished) التي تروي في سلسلة من سبع القصص تحولت عائلة (بايارد ساتوريز) وعبدهم (لوش)، مع فاصل زمني بين قصة وأخرى يتراوحبين سنة واحدة وثمان سنين.
ثالثا/ المتوالية العنقودية Cluster : وتتألف من مجموعة قصص تفتقر للتراتب الزمني مع وجود روابط أخرى تقابلها فجوات زمنية وسردية كبيرة بين القصص، ويضرب مثلا لهذا الجنس الفرعي متوالية (همنجوي) التي عنوانها (في عصرنا)، حيث تصور كل قصة من الخمس عشرة قصة موقفا قصصيا من حياة بطلها (نيك آدمز).
رابعا/ النوفيلا Novella: وهي أقرب الأجناس الفرعية إلى الرواية حيث تتألف من حكاية إطارية تتضمن مجموعة من المقاطع القصصية، ومثالها القديم (الديكاميرون لبوكاشيو) ويرى أن مثالها الأوضح هو (وايزنبرغ، أوهايو) للقاص الأمريكي (شيروود أندرسون)التي تتألف من من اثنتين وعشرين قصة قصيرة تعمل أولاها بداية للحكاية الإطارية فتعرف بالشخصية الرئيسة (الكاتب جورج ويلارد)، ثم تتوالى القصص لترسم بمجموعها صورة للحياة في مدينة (وايزنبرغ) الافتراضية.
يمثل هذا التصنيف أهم ما جاء في هذا الكتاب أما ما تبقى منه فهو بحث تفصيلي في خصائص كل من الأجناس الفرعية الأربعة.

د.ثائر العذاري

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة