المخرج ستانلي كوبرك.. النقد السينمائي

ربما لا يقرأ الكثير من الناس كتابا او صحيفة بشكل يومي، ولكنهم بالتأكيد يشاهدون فيلما سينمائيا ربما يوميا او اسبوعيا على اقل تقدير، خصوصا بعد الانتشار الواسع للفضائيات العربية والعالمية التي تعرض عشرات الافلام يوميا، من هنا تأتي اهمية النقد السينمائي الذي لا يقل اهمية عن النقد الأدبي وغيره، من خلال محاولته توطيد العلاقة بين المتلقي والفيلم فأهمية النقد السينمائي تأتي برأيي من خلال محاولته التعرف على ما يتضمنه الفيلم من ملامح تميزه عن باقي الافلام من حيث الفكرة والتصوير، ذلك من خلال تعامل صانع الفيلم مع عناصر اللغة السينمائية وتوظيفها لصالح العمل، وهناك العديد من الاتجاهات النقدية السينمائية، فهناك النقد الشكلي الذي يتحدث عن الاطار العام لفيلم وشكله من خلال تطرقه الى كلفة الانتاج وسنتة إنتاجه واسم مخرجه واهم افلامه ، وميزانية الفيلم والجهة المنتجة له وكذلك الحديث عن ممثلي الفيلم والجوائز التي حصلوا عليها، وهو ما يسمى بالنقد البسيط ، وهناك النقد الوصفي الذي يصف او يستعرض قصة الفيلم و ما تتضمنه من احداث، وهناك النقد التحليلي الذي يتناول الاجناس الفلمية الروائية والوثائقية، ولكن النقد الاهم هو النقد التأويلي الذي يتناول ما وراء النص الفلمي محاولا الوصول الى الدلالات والاشارات والرموز التي يرسلها الفيلم بقصدية احيانا ومن دون قصدية في أحيان اخر، ففي فيلم افاتار للمخرج جيمس كاميرون، وهو فيلم قدم وبدون شك دهشة بصرية هائلة ربما كانت الاكبر لحد الان، ولكن لو تناولنا الفيلم بعيدا عن الدهشة البصرية فسنجده يرسل العديد من الاشارات التي تؤكد على تفوق جندي المارينز ولو بعد مئات السنين وبقاء العالم بحاجة الى المنقذ الامريكي ، حتى لشعوب ربما تتواجد في كواكب اخرى ، كذلك في فيلم القارىء يطرح الفيلم العديد من الاشارات الأولية لتحليل وفهم الفيلم من خلال عبارة يكتبها استاذ مادة الفلسفة في بداية الفيلم تقول ان السرية فكرة راسخة في الادب الغربي وعلى هذه الجملة تبنى كل احداث الفيلم .
عند التعامل مع نص سينمائي، يكون أمام المخرج أحد الطريقين ليسلكهما، إما أن يقف أمام النص أو خلفه، والمقصود بهذا هو إما أن يقوم المخرج باستعراض كل قدراته الإخراجية ليصبح المخرج في النهاية هو المحور الرئيسي في الفيلم وليست القصة ، وهناك من المخرجين من يملك من الشجاعة ما يجعله يتراجع عن تقديم رؤية إخراجية محددة الملامح والسمات ليقف وراء القصة ويصبح تكنيكه مسخرا لتدعيم القصة وإظهارها في أفضل صورة ممكنة.

هنا أود أن أتحدث عن دور المخرج في صناعة الفيلم السينمائي، وعلاقة هذا المخرج مع النص السينمائي واين يقف منه، فهناك مخرج يقف خلف النص، والاخر يقف امام النص، الأول يحاول الدفع بالنص الى المقدمة لإيمانه بأهمية النص وقيمته والاخر يقف امام النص عارضا وبأقصى ما يمكن براعته في استخدام عناصر اللغة السينمائية للارتقاء بالنص، ومن هنا يمكن ان نتناول هذا النص المرئي نقديا.
كذلك فأن الأهمية والدافع الى النقد السينمائي هي تلك المكانة المرموقة التي وصلت اليها السينما واثرها الواضح على المتلقي في مختلف المجتمعات، فبعد التطور التكنولوجي الهائل خصوصا في مجال المرئيات بات باستطاعة اي فرد في مختلف انحاء العالم مشاهدة العديد من الافلام في منزله ، كذلك باستطاعته تحديد نوع الفيلم الذي يرغب، تأريخي، أكشن، رومانسي، أو وثائقي وهذا الاخير اصبحت له فضائيات متخصصة مثل ، ناشيونال جوكرافيك ، الجزيرة وثائقي ، البي بي سي ، وغيرها ، ويأتي دور الناقد ليوطد العلاقة بين المشاهد والفيلم من خلال تطرقه الى اهمية وجدى الفيلم وربما يكون السبب في قلة المشتغلين في هذا الحقل في العراق مقارنة بالنقد الادبي هو التدهور الكبير في واقع السينما العراقية سواء على مستوى الانتاج او البنى التحتية خصوصا دور العرض واختفائها بشكل شبه تام فلا وجود لاي دار عرض في كافة المحافظات العراقي بعد تنامي وشيوع ذهنية التحريم ،ولو ان الفترة الاخيرة شهدت افتتاح عدد من صالات العرض داخل المولات التجارية، والرأي حول تعويضها لدور السينما العريقة ، كسينما النصر وبابل وغرناطة وسمير أميس، مازال مثار جدلا لحد الأن، لذلك يعتمد الناقد السينمائي العراقي على مشاهداته المستمرة للأفلام العربية العالمية وهناك العديد من الاسماء الهمة التي تشتغل في هذا الحقل ولا تكاد صحيفة مهمة تخلو من صفحة اسبوعية عن السينما تتضمن دراسة نقدية لأحد الافلام ، ومهمة النقد السينمائي ليست بالمهمة السهلة حيث يفترض على الناقد ان يتوفر على معرفة جيدة بباقي الفنون فالسينما وكما يطلق عليها «الفن السابع « بمعنى احتوائها وتوظيفها لباقي الفنون ضمن بنية النص المرئي وهذا التوظيف لا يأتي اعتباطا بل عن قصدية يفسرها الناقد .
كذلك فان من المهم ان يصل الناقد الى معرفة سؤال السينما المهم وهو « ماذا يحدث لو « والذي من خلاله يمكن للناقد ان يحلل الفيلم بصورة جيدة ، حيث تبنى على هذا السؤال التيمة الاساسية لكل فيلم ، ففي فيلم الصخرة مثلا كان السؤال هو ماذا يحدث لو ان جاسوسا بريطانيا محكوما بالسجن المؤبد هو الوحيد الذي باستطاعته ان يجنب اميركا هجمة بصواريخ نووية، وربما يختلف تحديد هذا السؤال من ناقد لأخر لذلك ياتي التحليل والنقد مختلفا بينهم استنادا الى هذا السؤال، حيث لاوجود لقاعدة ذهبية في السينما ، فالقاعدة الذهبية للسينما»» أن لا قاعدة «» والا لجاءت الافلام السينمائية على وتيرة واحدة ولم تستطع السينما الوصول الى المكانة المرموقة التي وصلت اليها .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة