التجمع الديمقراطي.. روسيا ونيوزلندا

عبد الناصر النجار

الاستقالات بالجملة من فصائل التجمع الديمقراطي اليسارية بسبب «الاستوزار»، تظهر كزلزال بقوة متوسطة ضربت هذا الوليد الهش وغير المتجانس قبل أن يحبو.
عندما تشكل التجمع بعد مشاورات ماراثونية واجتماعات متواصلة، توقع البعض ولادة كتلة يسارية متوافقة مع المتطلبات الوطنية، وقادرة على الوقوف كمعارضة فاعلة في وجه السلطة في الضفة أو سلطة الأمر الواقع في غزة، ولكن بعد إصابتها بإنفلونزا «التوزير» من الواضح أن مقاومتها أضعف بكثير مما كنا نعتقد.
اليوم، يواجه حزبا الشعب وفدا خلافات حادة على وقع تشكيل الحكومة الجديدة في ظل تراشقات إعلامية بين المستقيلين المعارضين للدخول في الحكومة وبين القيادات المدافعة عن ذلك، ما يعني إضعافاً لهياكلها التي تعاني أصلاً من ضعف وهزال عام.
العصر الذهبي لليسار الفلسطيني كان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عندما كان له وزن فاعل على الأرض وفي البناء المقاوم للاحتلال. كان كوادره بالآلاف وخاصة بين شباب الجامعات وطلبة الثانوية، ولكن فجأة ومن دون مقدمات أصابته سلسلة من الانهيارات في ظل صمت من قياداته وكأن شيئاً لم يحدث.. التي تجاهلت النقد والنقد الذاتي اللذين أشبعونا تنظيراً لهما في الجامعات.
الانهيار الأكبر لليسار كان في العام 1994 مع توقيع اتفاقات أوسلو، فبدلاً من أن يكون معارضة قوية وشفافة للاتفاق ومخرجاته، اكتفى بالبيانات الصحافية التي تباينت شدتها بين فصيل وآخر، وفي النهاية اندمج اليسار في الاتفاق والعودة إلى أرض الوطن والقبول بدور التابع المستفيد لا القائد المعارض. استمر الانهيار على قاعدة انتهاء المعركة والمسارعة إلى النزول عن الجبل لجمع الغنائم، التي جاءت على وقع إصدار تراخيص لجمعيات أهلية والبحث عن مصادر تمويل أجنبية لمؤسسات اليسار التي حصلت على الحصة العظمى في تشكيل المنظمات الأهلية المعتمدة على الدولار واليورو وغيرها من العملات. مسؤول مطلع في التجمع يحاول التخفيف من وقع التشكيل الوزاري على تفسخ القاعدة اليسارية بالادعاء أن الاتفاق المشترك للتجمع كان على ثلاث قضايا رئيسة وهي: إنجاح جهود المصالحة وإفشال صفقة القرن، والقضايا الداخلية الرئيسة، من دون تعريف هذه القضايا ومن ىدون التطرق إلى موضوع الحكومة في حينه.. وهذا يثير الدهشة لأن الاتفاق على أي قضية يجب أن يكون تشاورياً وبالأغلبية وليس حزبياً و»كـأنك يا أبوزيد ما غزيت».
الاستقالات جاءت لتؤكد وهن اليسار الفلسطيني وأنه أضعف بكثير مما نعتقد، ولنا في حراك الشباب الأخير في غزة وتشكيل الحكومة الجديدة عبرة.

روسيا المصلحة قبل الصداقة
كثير منا ما زالوا يحلمون بأن روسيا امتداد للاتحاد السوفييتي السابق، علاقتنا معها قائمة على الصداقة البحتة والوقوف إلى جانب حركات التحرر العالمية في وجه الإمبريالية.. هؤلاء يعيشون في غيبوبة الستينيات من القرن الماضي. فجأة ومن دون مقدمات، تقدم موسكو هدية مجانية لنتنياهو قبل أقل من أسبوع على الانتخابات الإسرائيلية.. دعم لا يختلف في أهميته عن هدية ترامب الخاصة بـ الجولان وإن اختلف الشكل لا المضمون في دعم اليمين والتطرف والعنصرية في إسرائيل.
الهدية تمثلت بتسليم رفات الجندي الإسرائيلي زخريا باومل الذي قتل في عدوان 1982 في لبنان. منذ ذلك الوقت وتل أبيب تحاول العثور على هذا رفات هذا الجندي وجنديين آخرين قتلا في معركة السلطان يعقوب بجنوب لبنان.. كل محاولاتها باءت بالفشل حتى دخلت موسكو على الخط بعد تمتين علاقاتها مع إسرائيل على الرغم من حادث إسقاط الطائرة الروسية قبل أشهر قرب اللاذقية، ما يعني أن لغة المصالح أقوى من باقي المفاهيم.
والمفاجئ أيضا الدور السوري، على الرغم من النفي الرسمي الذي يحاول تغطية عورته المكشوفة في هذه القضية. الروس أكدوا دور الجيش السوري غير القابل للشك.
كثير من الأسرى الفلسطينيين والعرب كانوا ينتظرون مثل هذه اللحظة لتحريرهم من جهنم الأسر.. ولكن الأشقاء والأصدقاء آثروا تحرير رفات جندي مفقود منذ عقود.

نيوزلندا
رئيسة الوزراء النيوزلندية ليست امرأة حديدية مثل تاتشر أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ولكنها بالتأكيد امرأة مثالية تتجسد إنسانيتها بشكل مثير للإعجاب، ابتداء من قرارها بالأمومة، فهي ثاني رئيسة وزراء على مستوى العالم بعد رئيسة الوزراء الباكستانية بنازير بوتو تقرر الحمل وهي في منصبها.. حملت وولدت وأرضعت طفلها رضاعة طبيعية، لا خادمة ولا حليب اصطناعياً.
جريمة قتل المصلين في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش فاجأت العالم.. ولكن العالم تفاجأ أيضاً بموقف هذه المرأة الإنسانة التي تصرفت كمسلمة أكثر بكثير من مدعي الإسلام. ابتداء من ارتداء الحجاب تضامناً خلال المحنة، أو تصريحاتها التي قل مثيلها في إدانة الإرهاب والعنصرية ودعوتها المتواصلة إلى الأخوة الإنسانية على الرغم من صعود اليمين الشعبوي في الغرب.
آخر مواقفها المثالية وقوفها في الطابور في محل تسوق أمام موظف المبيعات، أمامها كانت امرأة اكتشفت أنها نسيت محفظتها في البيت ولا تملك المال للدفع فقامت رئيسة الوزراء النيوزلندية بالدفع عنها وطالبت بعدم نشر الخبر، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي كشفت القضية لتقول كم هي عظيمة هذه المرأة القائدة والإنسانة، أشخاص ومؤسسات رشحوها لنيل جائزة نوبل للسلام عن العام 2020 فضموا صوتكم إلى أصواتهم.

ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة