النازيون.. وكالة الاستخبارات المركزية وبزوغ نجم “الإخوان المسلمين” في الغرب
الحلقة 9
تأليف: إين جونسون
ترجمة: أحمد جمال أبو الليل
عهد الى فون منده الاشراف على ادارة القوقاز بالوزارة وذلك تحت اشراف جورج لايبرانت وكان فون منده قد استقطب جماعة من رجال ظلوا في المنفى لسنوات حيث كان جلهم منتميا الى احدى الحركات المناهضة للاتحاد السوفييتي وهي حركة برومثيوس التي انشئت عام 1925 بواسطة رجال راودهم الامل في ان يؤدي تقويض اركان الامبراطورية القيصرية الروسية الى تحرير افراد الشعوب المنتمين الى الامبراطورية من قبضة الحكم الروسي وحين جرت الرياح بما لم تشتهيه سفنهم عمد افراد الحركة الى تحرير المنشورات والتحريض على الثورة ضد موسكو وذلك من العاصمة البولندية وارسو ثم من باريس وبحلول الثلاثينيات كانت الحركة تتلقى دعما وموازرة من كل من الاستخبارات الفرنسية والبولندية والبريطانية والالمانية وقد ادى الغزو الالماني لفرنسا الى اخضاع الحركة بالكامل للسيطرة الالمانية.
وكان فون منده يعرف بعضا من رجال تلك الحركة بل قام بتجنيدهم حتى قبل ان يعمل لدى الاوستمنستريوم وفي اعقاب الحرب سيضطلع بعض البرومثيين من امثال ميخائيل كيديا من جورجيا وعلى قنطمير من تركستان بادوار بالغة الاهمية ارتبطت بعلاقات فون منده المتشابكة بالولايات المتحدة الاميركية كذا فسيضحى قنطمير لاعبا رئيسيا في احداث مسجد ميونيخ.
الا ان رجلا واحدا سيبزهم ويفوقهم اهمية خلال الحرب وما بعدها الا وهو ولي قيوم – ذلك الناشط السياسي الاوزبكي الذي وجه خطابه الى الاسرى المسلمين بمن فيهم غريب سلطان في مخيم اسرى الحرب كما اوردنا انفا وفي البدايات لم يكن ولي قيوم ذا اهمية تذكر في حركة برومثيوس الاانه سرعان ما صعد نجمه وعلا كعبه كأبرز لاجئي اسيا الوسطى في اعقاب وفاة مصطفى شوقاي- الذي كان وزيرا للخارجية لحكومة ثورية بطشقند لم يطل عهدها ورغبة منه في تعزيز مكانته اضاف ولي قيوم لقب خان الشرفي الى اسمه هذا وقد سر الالمان صعود نجم ولي قيوم خان بسبب تعاونه مع النازيين منذ الثلاثينيات اذ اعتبروه مخلصا وموثوقا وقد تبنى النازيون الرؤية ذاتها: جيوش تركية مسلمة لمحاربة السوفييت.
كان فون منده مدنيا الا انه مع دوران عجلة الحرب اعتبره النازيون عنصرا اساسيا في نجاحهم وفي عام 1943 قام قائد اسراب الدفاع – هاينريش هيملر باطاحة لايبرانت بعيدا عن الاوستمنستريوم وتنصيب احد الموالين له املا في السيطرة على ذلك التنظيم المنافس اما فون منده فلم يتأثر بالسلب جراء اعادة تنظيم الاوستمنستريوم بل تمت ترقيته من رئيس قسم القوقاز الى رئيس الشعوب الاجنبية- حيث كانت مهمته بالاساس تتمثل في الاشراف على سياسة الاوستمنستريوم تجاه الاقليات السوفيتيه اما لماذا فلأن فون منده قد تبنى نهجا عبقريا لتحفيز تلك الاقليات ودغدغة مشاعرها وهو الامر الذي ستكون له اصداء واسعة خلال سنى ما بعد الحرب الكونية الثانية. اما غريب سلطان فقد ورد برلين حين كانت خطط فون منده اخذة في التبلور ففي عام 1942 ارسى فون منده مكاتب اتصال لمنح الجنود بعضا من تمثيل في التراتبية الهرمية النازية. تلك المكاتب التي سرعان ما انخرطت بشدة في مجريات النشاط السياسي وفي اوائل العام ذاته عمد الاوستمنستريوم والجيش الالماني الى تدشين حملة دعائية في شبه جزيرة القرم التمسا فيها جنودا من التتر ولكم كانت النتائج عظيمة فمن بين قرابة مائتي الف تتري يحيون في شبه الجزيرة كان عشرة الاف مجندين في صفوف الجيش الاحمر الا ان عشرين الفا قاموا بالتطوع استجابة لتلك الحملة الدعائية ويمثل هذا العدد قرابة مجمل تعداد الذكور في الفئة العمرية الممتدة من 18 عاما حتى 35 عاما ممن لم يكونوا منخرطين بالفعل في القتال لصالح السوفييت وما كان للالمان قدرة على حشد اعداد كتلك اذا ما عمدوا الى التجنيد الاجباري.
لقد ارتكن هذا النجاح الى اقناع الجنود في الميدان بان مكاتب الاتصال تلك هي –بحق- اشباه حكومات في المنفى تلك المكاتب التي احيت الامل لدى مختلف الجماعات الاثنية غير الروسية بان الاستقلال لابد ات ذات يوم حتى ولو كان النازيون وفي حقيقة الامر غير عازمين على منحهم استقلالهم المنشود هذا وسوف تعمد المانيا الغربية ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية الى مضاعفة حجم مكاتب الاتصال تلك وزيادة اعداد العاملين بها بعد نهاية الحرب سعيا منهما الى تنظيم صفوف المسلمين وحشد افرادهم.
وقد التحق سلطان بمكتب الاتصال التتري كبوق للدعاية. ذلك المكتب لذي ادار محطة اذاعية وفرقة للرقص ومسرحا فضلا عن بعض من صحف عهد اليها بدور محوري في تلك الجهود. ففيما عدا صحيفة وجهت للجورجيين واخرى خاطبت الارمن صدرت الصحف الاخرى اخذة الجنود المسلمين بعين اعتبارها وقد تضمنت تلك الصحف صحيفة الكلمة الجديدة وصحيفة المتطوع وصحيفة الحرب المقدسة اوالجهاد كذا فان صحفا كثيرة اخرى كانت تستهدف –بالاساس- الجنود من ذوي الاثنيات التركية من بينها صحيفة مللي تركستان –اي تركستان الوطن وصحيفة يني تركستان- اي تركستان الجديدة والصحيفة التي كان يصدرها غريب سلطان واسمها ايديل اورال- اي اورال الفولغا كذا فقد ادار سلطان لاحقا الصحيفة الالمانية التترية. ان صحيفة ايديل اورال كانت تراقب من قبل مكتب الدعاية النازية التابع للجيش الالماني ذلك المكتب الذي كان يرفدها بمعظم الاخبار والمعلومات الواردة بها ان كثيرا من المقالات بالصحيفة كانت مستقاة رأسا من صحف نازية كصحيفة المراقب الشعبي وصحيفة الهجوم وكثيرا ما كانت تلك الصحف تحوي كتابات معادية للسامية وعلى سبيل المثال زعمت صحيفة ايديل اورال ان رؤساء العمال اليهود كانوا يستغلون اعضاء الاتحادات العمالية الشرفاء المجدين في المجتمعات الغربية- وهي مزاعم نمطية معيارية سادت انذاك.
وبعد ذلك بسنوات قلائل وعقب ان وضعت الحرب اوزارها – شرع سلطان يدون خاطراته في مذكرات مطولة وكتب يقول ان الغالبية العظمى من المواضيع الالمانية التي وردت في تلك الصحف كان خطأ اقترف ليس لكون ترديد الدعاية النازية عملا لا اخلاقيا ووفقا لاسس براغماتية- لم ير الفيلقيون التتر فرقا بين الدعاية النازية وتلك السوفييتية لقد كان بامكان تلك المطبوعات ان تكون اجدى وابعد اثرا ان كانت قد اعتمدت نهجا اكثر حيادية وموضوعية.
على ان الاقليات السوفييتية لم تكن جميعها قلقة بشأن، امور تكتيكية كتلك. اذ رأى عدد من تلك الاقليات مأزقا اخلاقيا معضلا في القتال ضمن صفوف النازي ولعل اشهر افراد تلكم الاقليات- الشاعر البارز موسى جليل الذي قاد مجموعة سرية تترية لمقاومة النازيين الا انه اعتقل مع رفاق له في سجن موبايت سيئ السمعة حيث اعدم في الخامس والعشرين من اب/ اغسطس 1944. لاقى النازيون صعوبات جمة في اختيار افراد لادارة مكاتب الاتصال اذ كان ينظر الى رئيس الجماعة التترية على انه سكير يفتقر الى الخبرة اما سلطان فكان يعد ملائما لذلك المنصب الا انه كان لا يزال قاصرا انذلك (اذ لم يكن قد اكمل الحادية والعشرين بعد) ومن ثم لم يقبل في المنصب المذكور. اما اللجان فكانت تترنح متخبطة اذ لم يكن لديها بعد قوة حقيقية قوة تشير الى كيفية قيام الدين او الهوية القومية- (والامل الضعيف في تحقيقها) – بتحفيز البشر وهو درس غال وعبرة بالغة سيعمد اخرون الى الافادة منه لاحقا.
في العشرين من كانون الثاني/ يناير 1942 وخلال مؤتمر عقد في ضاحية wannsee البرلينية تبلورت مخططات الهولوكوست ورغما من ان اغتيال اليهود قد بدأ قبل ذلك فأن المؤتمر قد استدعى ما للدولة من قوة بيروقراطية وشمولية تضافرتا ضدهم اما الحضور فتمثل في لفيف من وزراء قياديين ومسئولين نازيين هذا وقد استغرق المؤتمر تسعين دقيقة فحسب الا ان رسالته كانت واضحة جلية لقد بات في مقدور الدولة تنسيق الجهود صوب رافد جليل بعينه.
اما الاوستمنستريوم فقد كان ممثلا في المؤتمر في شخص جورج لايبرنت والفريد ماير الذي كان انذالك نائبا لالفريد روزنبرغ هذا وقد تباحث المسؤولون حول تعريف يتاح بمقتضاه تحديد من يمكن اعتباره يهوديا بحيث يتم اعداد الاراضي الشرقية وتهيئتها لاقامة الالمان بعد ان يتم طرد اليهود واخرين من غير المرغوب فيهم.