الإعلام .. قوة الصين الناعمة في أفريقيا

محمد عثمان

تدرك الصين أن «الإعلام»، جزء أساسي من قواها الناعمة وأن للإعلام دور كبير في تحقيق سياستها الخارجية، فقد تزايد الانتشار الإعلامي الصيني بشأن العالم كجزء من سياستها الخارجية في فترة ما بعد الحرب الباردة، لذلك استخدمت الإعلام في خلق صورة لدى ذهنية المواطن الافريقي، تجعله ينظر إلى الصين على اساس انها دولة صديقة، مستعدة لمساعدة ودعم الأفارقة، وهو في حقيقة الامر هدف طويل الاجل تعمل الصين على تحقيقه عبر وسائل الإعلام من خلال ترسيخ نفسها كقوة فاعلة في أفريقيا.
واتجهت وسائل الإعلام الصينية نحو إنتاج الكثير من المواد الإعلامية والصحفية كوسيلة من وسائل مواجهة التنافس الإعلامي الغربي بشأن أفريقيا، حيث أن توسع الصين في وسائل اعلامها مؤشرًا قوي على أن النهج الذي تتخذه تجاه القارة لم يعد يعتمد فقط على الأدوات التقليدية للسياسة الخارجية، حيث باتت تتوسع في استعمال القوة الناعمة كوسيلة من وسائل تحقيق مصالحها الخارجية في القارة الافريقية.

خلفيات متعددة
تقدم الصين نفسها انها دولة من دول العالم الثالث، ما فتح المجال لاعلامها في إقامة محطات إذاعية وقنوات وصحف ومراسلين تابعين إلى وكالاتها الإخبارية في كل مكان بل وتشارك في تدريب صحفيين أفارقه وإقامة برامج تدريبة في وسائلها الإعلامية، كما توظف وسائل الإعلام الصينية الأفارقة للعمل معهم كمراسلين عن بلدانهم او كمحررين وصحفيين، مما يعني تعزيز التعاون بين وسائل الإعلام الافريقية والصينية، إضافة إلي زيادة الثقل الثقافي بين الدول الافريقية والصين.
وفي عام 2006 بدأ راديو الصين الدولي بالبث المحلي من نيروبي بكينيا، كما أن وكالة انباء « شينخوا» لديها أكثر من 20 مكتب في جميع انحاء القارة، وبداية من العام 2011 بدأت محطة التلفزيون الصيني»CNCWORLD»التابعة لـ « شينخوا» البث الإذاعي للقمر الصناعي الافريقي(1)، كما دخلت «شينخوا» في شراكة مع إحدى شركات المحمول الكينية لتوفير خدمة نقل الاخبار إلى الهواتف المحمولة.
وأطلق تلفزيون الصين»»CCTV أول مركز إنتاج إخباري تحت اسم مركز تلفزيون الصين الافريقي»CCTVAFRICA»في نيروبي وذلك في كانون الثاني يناير لعام 2012 وكانت هذه الخطوة قد جعلت من التلفزيون الصيني مركز دولي لإنشاء مراكز اخبارية اخرى في أفريقيا، بل وبات المسؤول الاول عن جمع الاخبار والتقارير عن أفريقيا، وتوزيعها على المنصات الإعلامية الأخرى في الصين، كما خصص تلفزيون الصين عدد من البرامج.(2)
ومن هذا المنطلق، عمل التلفزيون الصيني على تخصيص عدد من البرامج التي تتحدث عن أفريقيا مثل (AfricaLive) وهذا كجزء من المحددات الإعلامية لتوجه الصين نحو أفريقيا، والذي تتمثل بعدة أسباب من أهمها (مواجهة حالة «التضليل» الإعلامي الذي تقوم به الدول الغربية تجاه الصين، حيث تقوم هذه الدول بالحديث عن أن الصين لا تقدم مشروعات استثمارية في أفريقيا، إلا في الدول التي يوجد بها قدر من الاستقرار الاقتصادي، ولا تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة كبقية بلدان القارة – كما تريد الصين أن تركب موجة التقدم التكنولوجي والرقمي لوسائل الإعلام عبر التواجد في كل مكان بالعالم)(3) .
واعتمدت الصين على صحفيين محليين يسعون إلى تصدير صورة إيجابية عن بلادهم، وذلك بالتوازي مع توسيع الصين لعلاقاتها السياسية والاقتصادية في القارة السمراء، حيث تعمل على مواجهة النظرة الإعلامية الغربية هناك، والتي دائما ما تقدم صورة سلبية عن القارة مما يزعج المواطن الافريقي، بنظرة أخرى مغايرة من خلال التركيز على الإيجابيات داخل الدول الافريقية وبخاصة في جنوب الصحراء(4).
وهذا يشير إلى ان الصين سعت نحو ترقية قوتها الناعمة هناك، عبر وسائل الإعلام التي تديرها الدولة والقطاع الخاص أيضا، فخصصت صفحات في صحفها الإلكترونية والصحف المطبوعة للحديث عن أفريقيا.
إضافة إلى أن المواقع الإلكترونية الإخبارية التابعة لها خصصت فيها جزء مختص عن أفريقيا، وأدى هذا الحضور الإعلامي إلى نظرة افريقية تجاه الصين، تتمثل في اعتبار أن وجودها في أفريقيا بات أمر لا مفر منه.

الإعلام في خدمة الاقتصاد
قامت الصين عبر وسائل اعلامها بنقل خبراتها الثقافية والإعلامية إلى أفريقيا، من اجل تحقيق حضور اعلامي وثقافي بداخل القارة، وقامت بإنشاء المعاهد لتعليم اللغة ونشر الثقافة الصينية، إلى جانب تدعيم البث الرقمي بالتلفزيون الصيني في بعض الدول الافريقية، وبناء شبكات قوية لاستقبال القمر الصناعي الصيني داخل هذه البلدان بالاعتماد على الطاقة الشمسية(5).
وفي هذا السياق، اهتمت التقارير الميدانية التي انتجتها وسائل الإعلام الصينية عن أفريقيا بالتركيز على الفرص الاقتصادية الواعدة للمستثمرين والاقتصاد الصيني ككل إلى جانب التسريع من وتيرة التنمية في أفريقيا كنوع من تدعيم الحضور الصيني(6).
ففي الحوار الإعلامي الذي عقد في مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا في 14 اب اغسطس 2017 ناقش أكثر من 20 ممثلا اعلاميًا لأكثر من 20 دولة افريقية الجهود الإعلامية التي تقوم بها الصين في تحسين صورة أفريقيا في الخارج، واتفق ممثلو هذه الدول علي أن تقارير وسائل الإعلام الصينية قد ساعدت في تحسين الصورة النمطية عن أفريقيا في الخارج، وزيادة التعاون والمشاريع الاقتصادية الصينية في أفريقيا.
وبذلك بات ينظر إلى وسائل الإعلام الصينية على أنها قادرة على أداء وظيفة اقتصادية في القارة تتناسب مع الشراكات المتعددة الأطراف للصين هناك. من خلال تعزيز صورة الدولة في الخارج، فقد اجرت إحدى الوكالات الإعلامية تحليل لمحتوي المواد الإعلامية التي يتم تداولها عن الصين في جنوب أفريقيا، وما مدى اهمية الاخبار المتعلقة بالصين، اكدت النتائج أن الصحفيين هناك يدرجون اخبار الصين على جدول اعمالهم بنحو يومي، وكان يتم الاعتماد على المصادر الصينية في نقل الاخبار والاحداث هناك(7).
ولهذا يمكن القول، أن سعي الصين نحو الاعتماد على الإعلام، قد تزايد في الآونة الاخيرة في مسعي من الدولة نحو توظيف ذلك في سياستها الخارجية، كما تلعب وسائل الإعلام الصينية دور مهم في تقديم معلومات ونقل الصورة كاملة إلي المستثمر الصيني الذي يبحث عن الاستثمارات في القارة الافريقية عبر سلسلة التقارير وغيرها التي تقدمها هذه الوسائل الإعلامية، فيوجد في أفريقيا ما يقارب من ألف شركة صينية في أفريقيا ، منها 300 شركة كبرى، وتريد الصين ان تزيد من عدد هذه الشركات عبر تشجيع المستثمرين على الذهاب إلي هناك خاصة أنها تبحث عن لعب دور ريادي في أفريقيا

الهوامش
[1] -ZHANG Yanqiu, «Understand China’s Media in Africa: from the perspective of Constructive
Journalism», in Chr. Michelsen Institute (CMI), (Beijing: Center for Global Media & Communication Studies, the Kede College, Capital Normal University, September 2014) p.7
2-ibid, p.6.
3 – Emeka Umejei, Chinese Media in Africa: Between Promise and Reality, African Journalism
4 – حسن العاصي، الصورة النمطية لأفريقيا والأفارقه في الإعلام الغربي، العمق المغربي، 29/8/2017،الرابط.
5 -محمد شومان، القوة الصينية الناعمة: الفرص والمحاذير، الحياة اللندنية، الرابط.
6 – الإعلام الصيني ينافس وسائل الإعلام الغربية على التمدد في أفريقيا، العرب، 10/5/2017.
7 – China’s media in Africa: Expansion, perception, and reception, at:
المركز العربي للبحوث والدراسات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة