مخاوف من الضحك على القادة العرب مرة اخرى
ترجمة ـ سناء علي:
يرجح محللون سياسيون ومراقبون ان من بين مآلات الصراع في الشرق الأوسط، تقسيم مناطقه ودوله، سيما القوية منها، والتي تصطنع لها في الغالب مآزق، تمكن من التدخل في شؤونها وخاصة على المستوى السياسي، ويتفق بهذا الشأن مع أولئك المحللين والمراقبين مسؤولون كبار على سدة الحكم مثل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي بات يشكل بحد ذاته مشكلة للغرب، وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، المعروف بتشدده إزاء اميركا بنحو خاض وذلك الغرب بنحو عام.
الكاتب ايفان ستار، نشر في الواشنطن بوست مؤخرا مقالا استقرأ فيه تصريحات وتحذيرات هذين المسؤلين
تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الآونة الأخيرة ركزت على تحذيرات من مخططات لتقسيم المنطقة في الشرق الاوسط , والتي ستكون تركيا جزءا منها اضافة الى سوريا والعراق والاردن .
تلك التحذيرات تتجلى في نداءات تم اطلاقها مؤخرا من قبل بعض القيادات كان اخرها ما اشار اليه وزير الخارجية الأميريكي مايك بومبيو في احدى تغريداته على “تويتر” موجهًا فيها “التهنئة” لعدد من الدول التي سارت في ركب الانقلاب الأمريكي على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الفائز بانتخابات شعبية ديمقراطية، والتي كانت مرفقة بخريطة لأجزاء عديدة من العالم، بينها خريطة تركيا، ولكن هذه المرّة تعمّد بومبيو أن ينشر خريطة تركيا وهي مقسمة إلى قسمين.
فهل يمكن أن يقع وزير بحجم بومبيو بخطأ من هذا النوع… العقل والمنطق يقولان “بالطبع لا يمكن أن يحصل هذا إلا عن عمد وسبق إصرار وترصد”.
اردوغان من جهته في كلمة ألقاها خلال مشاركته في فعالية نظمتها جامعة بوغاز إيجي في إسطنبول, اشار الى حساسية الفترة التي تمر بها تركيا لوجود مساع جادة لإعادة تقسيم المنطقة انطلاقا من سوريا والعراق، وقال إنها تستهدف تركيا أيضا.
*عن مقالة للكاتب ايفان ستار -الواشنطن بوست
مضيفا أن بلاده تتحمل مسؤولية كبيرة لإيقاف هذه المساعي.
وأشار إلى أن حساسية الفترة التي تمر بها تركيا ومحيطها، تستوجب اتخاذ قرارات سريعة وتطبيقها بدراية، مضيفا أن “الذين يقومون بهذه الحسابات يظنون أن تركيا اليوم هي تركيا القديمة، لم يعد هناك تركيا التي تستسلم للسيناريوهات المرسومة من الخارج”.
مخيلة اردوغان والتي عادت به الى قراءة التاريخ مرارا , وبالتحديد الى ما بعد اندلاع الحرب العالمية الاولى عام 1914 م عندما انتصر الحلفاء , ومن ثم بداية تقسيم المنطقة العربية التي كانت في الاصل تابعة للدولة العثمانية , تلك النوايا التي ولدت بولادة سهلة لمعاهدة سايكس بيكو عام 1916م والتي حولت دولة اسمها (سوريا الكبرى ) كانت تابعة للدولة العثمانية الى دويلات صغيرة تسمى كل من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والاردن حيث لم تكن تلك المناطق تمثل دولاً أو كيانات مستقلة قبل هذا التقسيم .
هنا تكمن مخاوف الرئيس التركي , كون اتفاقية سايكس بيكو عملت بشكل جاد على ضرب وتشتيت وحدة العرب بشكل كامل , كما انه يعلم علم اليقين ان تلك الاتفاقية قد أنجبت فيما بعد معاهدات واتفاقيات وهمية بلا جدوى للعرب , تم الاحتفال بها عبر اقامة المؤتمرات الدولية والتي كانت تركز على الوحدة والاستقلال واعادة بناء امجاد الوطن العربي , ومع ذلك ظل العرب يعلقون بعض الأمل على أن تفي بريطانيا بوعودها حتى سددت بريطانيا لهم ضربتها القاضية بإصدار وعد بلفور عام 1917م. ولم يَتعلم العرب الدرس جيدا , بل تعلقوا بمؤتمر الصلح الذي عقد بعد الحرب عام 1919م ولكن آمالهم تبددت بسبب خداع بريطانيا وغطرسة فرنسا ومكر اليهود. وبذلك أصبحت صكوك الانتداب التي تم بموجبها تقاسم البلاد العربية هي (جزاء سمنار) الذي قدموه للعرب مقابل وقوف العرب إلى جانبهم.
كتاب التاريخ بالنسبة للرئيس التركي كان بمثابة جرس الانذار لنوايا الدول العظمى المدعومة بالأطماع الصهيونية في المنطقة , لذلك حلل المشهد الحاضر والذي تعاد فيه الكرة مرة أخرى وعلى نفس المنوال لكن هذه المرحلة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية مدفوعة بالأطماع الصهيونية ومعززة بالمشورة البريطانية صاحبة الخبرة بالمكر وعدم المصداقية .
واردوغان من ناحية أخرى، على علم ويقين تام بأن ليس بأمكان عقلية العرب وقادتها في المنطقة التصدي الفعلي لتلك المخططات , كونهم لم يتغيروا منذ مرور مئة سنة على كارثة التقسيم الأولى والمتآمر هو المتآمر بشحمه ولحمه مع تبديل في الأدوار.
التاريخ بالنسبة لاردوغان , الذي كان يحلل ما يجري بصورة استراتيجية موسعة كان كافيا لآطلاق تصريحاته الاخيرة التي تحمل رائحة الخوف من هذا المخطط , خاصة ان تسلسل انتهاكات الدول العظمى بعد عام 1991 يشير وبصورة مؤكدة الى وجود اتفاق مبرم بين الولايات المتحدة الاميركية والدول الاوروبية تدعمه اسرائيل الذين ربما يكونون قد اتفقوا على تقاسم تركة الاتحاد السوفيتي بعد انهياره في ذلك العام المنصرم من الدول حديثة الاستقلال بالإضافة إلى العالم العربي خصوصاً منطقة الشرق الأوسط .
اردوغان بدوره حلل واعطى اسبابا موضوعية لرغبة تلك الدول في تقسيم اراضي الشرق الاوسط والتي ستتحول الى ارض خصبة لتصريف منتجاتها وسوقا رائجة لبضائعها الرديئة , اضافة الى الاستيلاء على مواردها وثرواتها النفطية والمعدنية والطبيعية , كما أنها سوف تجد بها مصدراً كبيرا للعمالة الرخيصة .
وكما تم الضحك على العرب في بداية القرن العشرين ببعض المساعدات وعقد بعض الاتفاقيات والتعهد لهم بأمور كثيرة تضمن استقلالهم ثم تم الحنث بها جميعاً تكرراللعبة نفسها مرة أخرى هذه الأيام . فاليوم تقدم للعرب وعودا بحل النزاع العربي الإسرائيلي ابتداء من معاهدة أوسلو ومروراً باتفاق مدريد ومبادرة كنت ومؤتمر شرم الشيخ واجتماع العقبة وخارطة الطريق التي تحتضر وانتهاء بوعد الرئيس الأمريكي بوش الذي ألغى حق العودة للاجئين الفلسطينيين وأيد إسرائيل بكل تصرفاتها وهو بذلك يشبه وعد بلفور وأبعد من ذلك تم احتلال العراق تحت طائلة التحرير والديموقراطية اللتين اصبحتا أشبه بوعود بنات الليل .
وقد يكون تخاذل العرب واستكانتهم في صد مشاريع التقسيم منذ بدايتها سببا كافيا لان يصرح اردوغان بان تركيا لن تكون كسابقتها من الدول وان لم يحددها بالتحديد , كما لا يخفى على اردوغان ان ما حدث ويحدث في كل من العراق بعد احتلاله لأسباب غير منطقية وما حدث لسوريا في الوقت الحالي من تبادل للقوات الاميركية لمواقعها وزيادتها في كل من سوريا والعراق , ما هي الا دليل قاطع على نية تلك الدول بتنفيذ مشروعها ثم جاءت الأمور المترتبة على التخاذل العربي وعدم ارتقاء العرب إلى مستوى المسؤولية والتي تمثلت في طرح مشروع بث روح الديمقراطية في الدول العربية , وطرح مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أعلنوا عنه , والذي لم يدع مجالاً للشك أنهم قادمون .