هاني حبيب
قبل عام بالضبط، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمام منتدى «فالداي» الدولي للحوار، وتحديداً في 19 شباط 2018، أن بلاده مستعدة لاستضافة محادثات سلام بين فلسطين وإسرائيل من دون شروط مسبقة، كان هذا التصريح ترجمة مكررة لإعلان الرئيس الروسي قبل خمس سنوات وتحديداً في الثاني من تشرين الأول 2013، دعوته لاستئناف الاتصالات المباشرة بين فلسطين وإسرائيل، بهدف إيجاد حل طويل الأمد للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وان روسيا ستكون ضامناً لمثل هذا الحل.
كان الرفض المستمر من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية لأي دور روسي إزاء الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي العقبة الأساسية أمام جهود موسكو للعب دور مهم على هذا الملف، الذي ترى إسرائيل أنه محصور فقط بالدور الأميركي، هذا الدور الذي لم يعد قائماً بعد أن اعترفت واشنطن بالقدس المحتلة عاصمة للدولة العبرية، والموقف الفلسطيني الرافض تماماً لأي دور في عملية السلام من قبل الولايات المتحدة والداعي إلى التمسك بحل الدولتين، انطلاقاً من قرارات الشرعية الدولية. فشلت موسكو في أن يكون لها أي دور في عملية السلام على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي برغم محاولاتها المستمرة، ولم تتمكن من الضغط على الجانب الإسرائيلي للقبول بهذا الدور، برغم علاقاتها وتنسيقها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على الساحة السورية، وربما توجه القيادة الروسية نحو لعب دور ممكن في سياق العمل على الساحة الفلسطينية الداخلية، ما دفعها إلى تعويض، مهما كان ضئيلاً، عن هذا الفشل، لهذا كانت دعوتها للفصائل الفلسطينية لعقد مؤتمر موسكو من خلال معهد الاستشراق الروسي التابع لوزارة الخارجية الروسية، والمتوقع أن يصدر «بيان موسكو» يوم الأربعاء في نهاية هذا المؤتمر. واقع الأمر، أن جميع الفصائل الفلسطينية رحبت بدور روسي في هذا السياق، مع معرفتها الأكيدة، أن هذا الدور، برغم أهميته، لن يكون له التأثير الكافي لتسجيل اختراق على ملف المصالحة الداخلية، هذه الفصائل، اعتبرت الدور الروسي «مكملاً» للدور المصري، وهي عبارة تأتي في سياق المجاملة أكثر من كونها رهاناً على هذا الدور في كسر الجمود بشأن هذا الملف، وكما واجه الدور الروسي، الاحتكار الأميركي في عملية التسوية من الجانب الإسرائيلي، فإنه في واقع الأمر، يواجه، في سياق الجهود نحو مصالحة فلسطينية داخلية، الاحتكار المصري لهذا الملف، مع الفارق الأساسي والجوهري، أن الاحتكار الأميركي ينساق إلى جانب الرؤية الإسرائيلية، بينما الدور المصري، يلعب دورا متوازناً بهدف إزالة العقبات من أمام الجهود الرامية لإنهاء حالة الانقسام.
لهذا، لم يكن من المفترض أن تشكل حوارات موسكو، أي رهانات حقيقية لتجاوز الخلافات الفلسطينية التي ما تزال تحول دون التوصل إلى إنهاء حالة الانقسام، في الوقت الذي ما تزال فيه القاهرة، عاجزة، برغم كل أدوات الضغط، والمصالح الأمنية والسياسية المرتبطة بهذا الدور، عن تسجيل اختراق حقيقي في هذا الملف الشائك.واقع الأمر، أن أي اختراق عملي في ملف المصالحة الفلسطيني يعود بالدرجة الأساسية إلى الجانب الفلسطيني نفسه، الأطراف الأخرى، وعلى رأسها جمهورية مصر العربية، وحتى روسيا، يمكن أن تلعب دوراً في إسناد ودعم لإزالة أسباب الخلاف، لكن دورها سيظل محصوراً في هذا الإطار، وبالتالي فإن العقبة الأساسية أمام عملية المصالحة هي فلسطينية في الأساس والجوهر، وعليه، فإن أي دور داعم ومساند يستوجب الحثّ والعمل، على تنفيذ الاتفاقات السابقة خاصة تلك التي رعتها القاهرة، وأهمها الاتفاق الأخير أواخر العام 2017.
إن موسكو ترى في هذا المؤتمر، تأكيداً على موقفها المساند للقضية الفلسطينية، وهي إذ تتفحص إمكانيات أن تلعب دورا مهما إزاء هذا الملف فهي ترى في ذلك مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة، على ضوء مؤتمر وارسو الذي تحاول الولايات المتحدة من خلاله، وفي سياق المواجهة مع إيران، تشكيل إطار عربي داعم لمواقفها تحت ما يسمى «الناتو العربي» والذي يشكل انتقاصاً من الدور الروسي المتنامي في المنطقة انطلاقاً من الساحة السورية، الموقف الروسي الرافض لصفقة القرن ونقل السفارة ومؤتمر وارسو، من شأنه أن يوفر أرضية صالحة لدور روسي يقترب أكثر من المواقف العربية المعلنة، والموقف الفلسطيني المعلن والصادق!
ينشر بالاتفاق مع جريدة الايام الفلسطينية