نظرة تفكيكية .. الاقتصاد التونسي بعد ثماني سنوات من رحيل بن علي

محمود جمال عبد العال

تشهد السياسة التونسية حالة كبيرة من الجدل بعد مضي ثماني سنوات من رحيل الرئيس التونسي السابق «زين العابدين بن علي» بشأن ما أنجزته ثورة يناير 2011، وما أخفقت فيه كذلك.
وعلى الرغم من نجاح تونس إلى حدٍ بعيد من تجاوز العديد من المعضلات السياسية وتمكنها من إحداث التوافق بين حزبي نداء تونس وحزب النهض فيما يُعرف إعلاميًا باتفاق الشيخين، إلا أن الملف الاقتصادي يهيمن على المساحات السياسية التونسية باعتبار أن المواطن العادي ينشغل بمعايشه أكثر من الحريات السياسية والمدنية التي يعدها كثير من التونسيين أنها لا توفر لهم مستوى المعيشة الذي يأملونه.
يُثني التونسيون على ما تمكنوا من إنجازه خلال فترة ما بعد «بن علي» خاصة في النواحي السياسية، وعلى الجانب المقابل تُبرز مسألة فشل إدارة الملف الاقتصادي التونسي بعد الثورة حالة من الإحباط لدى شرائح واسعة من المجتمع التونسي الذي يعاني من انخفاض في القوة الشرائية للدينار بسبب زيادة نسب التضخم.
سنحاول في هذا التقرير التركيز على الجانب الاقتصادي خاصة في الذكرى الثامنة لثورة 2011.
ويتزامن الاحتفال هذا العام بتنفيذ الاتحاد التونسي للشغل لإضرابٍ عام شمل جميع المرافق الحيوية في تونس مثل المطارات والسكك الحديدية والمواصلات والهيئات الحكومية، وذلك في 17 يناير/كانون الثاني.
وبعد نجاح الإضراب، وفشل حكومة رئيس الوزراء التونسي «يوسف الشاهد» في امتصاص مطالبه، دعا الاتحاد التونسي العام للشغل لمعاودة الاضراب لمدة يومين مطلع فبراير/شباط 2019. كل هذه الأحداث تطرح تساؤلات تتعلق بمستقبل العملية السياسية في تونس التي تستعد لانتخابات رئاسية وعامة قريبًا، وعمّا إذا كان من المتوقع أن تؤثر إخفاقات الثورة اقتصاديًا على تفضيلات الناس في هذه الانتخابات أم لا.

الاقتصاد التونسي:
الواقع والمأمول
شهد الاقتصاد التونسي تراجعًا كبيرً في أعقاب حالة عدم الاستقرار السياسي والمؤسسي التي أعقبت ثورة 2011، وذلك لاعتماده بشكلٍ أساسي على عوائد السياحة التي تأثرت كثيرًا في هذه المدة سيما بعد الموجة الإرهابية التي تعرضت لها تونس نتيجة لحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني على حدودها مع ليبيا. سنحاول فيما يلي تقييم حالة الاقتصاد التونسي سيما مع حالة التقدم السياسي التي أحرزتها تونس سواءً على مستوى التوافقات السياسية أو الاستقرار المؤسسي.
1- تراجع إيرادات السياحة: اعتمدت ميزانية الدولة طوال فترة «بن علي» على عائدات السياحة بدرجةٍ كبيرة سيما من السائحين الليبيين الذين كانوا يتمتعون بوضعٍ اقتصادي وسياسي مستقر نتيجة تعظيم مصالحهم من الريع الذي كان يدره النفط في مرحلة «معمر القذافي». وإضافة إلى حالة عدم الاستقرار السياسي التي شهدتها تونس بعد الثورة، لم يعد الليبيين كما كانوا في السابق فيما يتعلق بالمقدرة الشرائية وحالة الرفاه الاجتماعي التي كانوا يعيشوها في السابق. من ناحيةٍ أخرى، تأثرت السياحة التونسية سلبًا بسبب حالات الفراغ السياسي والأمني في ليبيا، وما تبعها من انتشار للسلاح والجماعات المتطرفة التي أضرَّت بتونس؛ حيث شهدت تونس خلال عام 2017 وحده عمليتين إرهابيتين موجهتين لقطاع السياحة وهم عملية باردو وسط العاصمة تونس في 18 مارس/آذار 2017 والتي راح ضحيتها 22 قتيلًا من السياح، وكذلك عملية سوسة في 26 يناير/كانون الثاني 2017 والتي راح ضحيتها 38 قتيلًا أغلبهم من الجنسية البريطانية.
ونتيجة لهذه الأحداث، تراجعت عائدات القطاع السياحي بمقدار النصف تقريبًا. وبقيت السياحة التونسية بعد الثورة محافظة على نمطها التقليدي مثل البحر والشواطئ والفنادق، ولم يطرأ أي تغيير حقيقي لتنمية هذا القطاع. ووفقًا لتقارير حكومية صادرة في الربع الأخير من عام 2018، شهد القطاع تعافيًا، حيث قالت وزيرة السياحة التونسية سلمى اللومي: «إن إيرادات قطاع السياحة قفزت بنسبة 42 % في الأشهر السبعة الأولى من 2018 مقارنة مع الفترة ذاتها من 2017»(1). ووصل عدد السياح إلى 6.2 مليون سائحًا بزيادة تُقدر بحوالي 17% تقريبًا (2).
2- عجز الميزان التجاري: يعاني الميزان التجاري التونسي من تزايد نسب العجز منذ سنوات، فبحسب التقرير الأخير للمعهد الوطني للإحصاء فقد بلغ عجز الميزان التجاري خلال عام 2018 ما يقارب 19.04مليار دينار مقابل 15.59مليار دينار، خلال سنة 2017، و12.60مليار دينار خلال سنة 2016، وذلك على وفق بيانات نشرها المعهد الوطني للإحصاء التونسي في ديسمبر/كانون الأول2018(3).
3- تزايد معدلات البطالة: تُعد أزمة البطالة الشرارة الأولى التي أطلقت شرارة الثورة ضد «بن علي»، وما زالت البطالة الشبح الذي يهدد مستقبل التطور المؤسسي والسياسي الذي تشهده تونس خاصة أن تتركز بصورة متوحشة في فئة الحاصلين على المؤهلات العليا، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 700 ألف مواطن عام 2017 من بينهم نحو 200 ألف من أصحاب الشهادات العليا (4). وبلغ عدد العاطلين عن العمل على وفق البيانات الرسمية عام 2018 إلى 634 ألف من بينهم نحو 350 ألف من أصحاب الشهادات العليا. ويُعد ارتفاع نسب البطالة في صفوف حملة المؤهلات العليا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة التونسية لارتباط ذلك مباشرة بالاستقرار السياسي لأن هذه الفئة هي الأكثر تأثيرًا على تطور الأحداث.
4- ارتفاع نسب التضخم: ارتبط رفض حكومة «يوسف الشاهد» بمطالبات الاتحاد التونسي للشغل بزيادة رواتب موظفي الحكومة لاعتبارات تتصل بمسألة التضخم، حيث تعتبر الحكومة التونسية أن جميع الزيادات التي شهدتها الرواتب بعد 2011 لم تكن زيادة حقيقية لأنها لم ترتبط بزيادة الإنتاج، ولكنها جاءت نتيجة ضغوط سياسية (5).
5- تراجع قيمة العملة: يعاني الدينار التونسي من تراجعات كبيرة منذ 2011. ووصل سعر الدينار التونسي في مقابل الدولار بـ 1.42. وتراجعت قيمة الدينار التونسي نتيجة تراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي بفعل تراجع عوائد القطاع السياحي والصادرات والاستثمار الأجنبي ووصل سعر صرف الدينار في مقابل الدولار إلى 2.97، ما يعني تراجع قيمة الدينار في مقابل الدولار بأكثر من 70% وهو ما انعكس على نسب التضخم وتراجع القوة الشرائية للدينار.

لماذا لجأ التونسيون إلى الإضراب؟
يدفع الاتحاد التونسي العام للشغل للتصعيد في مواجهة الحكومة؛ حيث نظم إضرابًا في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، وقد شمل إضراب 17 كانون الثاني/يناير كل المؤسسات الاقتصادية والوظائف العمومية، وذلك احتجاجًا على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التي تنتهجها الحكومة على وفق بيان الاتحاد.
وأرجع بيان الاتحاد التونسي العام للشغل لجوؤه إلى الإضراب بسبب الخيارات الخاطئة المتعاقبة، وتفاقم الوضع الاجتماعي وتراجع القدرة الشرائية للتونسيين، وتزايد البطالة. وشمل الأضراب أكثر من 650 ألف موظف في الإدارات والبنوك والبلديات وجميع المؤسسات الحكومية والخدمية.
ودعا الاتحاد إلى معاودة الإضراب مطلع فبراير/شباط. ويتهم البعض القائمين على الاتحاد بمحاولة تسييس حالة العوز الاقتصادي التي يمر بها المجتمع التونسي، وذلك من خلال طرح نفسه كبديل سياسي. ويرى أعضاء من الحكومة أن دعوات الاتحاد تهدف إلى إنهاك الائتلاف الحكومي. وما يُلفت الانتباه إشادة الرئيس «قائد السبسي» بالاتحاد وجهوده، وكذلك دعوات أعضاء من حزب نداء تونس إلى ضرورة إنجاح الإضراب. وأكد «الشاهد» خلال تقديمه بيان حكومته لمجلس النواب أن حكومته ستعمل على استئناف جلسات التفاوض مع الاتحاد. واعتبر «الشاهد» أن حكومته غير قادرة على تلبية مطالب الاتحاد، ودعا «الشاهد» إلى «تجنيب البلاد المزيد من الأزمات، والعمل على إيجاد أرضية توافق، تضمن توفير حياة كريمة للموظفين العموميين، وفي نفس الوقت لا تؤثر هذه الزيادات على ميزانية الدولة ولا تخل بالاحتياطات النقدية للبلاد (6). واقترح الشاهد في هذا السياق اتباع أسلوب التدرج في الزيادة التي يقترحها الاتحاد التونسي العام للشغل. ختامًا، يعد الخبراء أن أهم المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد التونسي اعتماده بشكلٍ كلي على الاقتصاد الأوربي، كما أنه يفتقد للتنوع وتعزيز الفرص الاستثمارية. إضافة إلى ذلك، يعاني الاقتصاد التونسي من ارتفاع نسب الفساد المالي والإداري. وتضيف التقارير الدولية إلى هذه العوامل الجمود البيروقراطي، وتزايد مشكلة الديون الخارجية، وانعدام المنافسة.

الهوامش
1- إيرادات السياحة في تونس تقفز 42% على أساس سنوي في الأشهر السبعة الأولى من 2018، رويترز.
2- تونس.. ارتفاع عدد السياح إلى 6.2 ملايين هذا العام، روسيا اليوم.
3- 19مليار دينار عجز الميزان التجاري التونسي في 2018، إكسبريس.
4- عبد الكريم حمودي، الاقتصاد التونسي.. بين قلة الموارد وضغط الإنفاق، الخليج أونلاين.
5- تونس تدخل في إضراب عام.. والشاهد: كلفته كبيرة على البلاد، CNN عربية.
6- تونس: لماذا تصاعدت دعوات اتحاد الشغل للإضراب الآن؟ (25/11/2018)، BBC عربي.
المركز العربي للبحوث والدراسات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة