اكرم الامير واللحظة الوامضة في مشي الطيور

علوان السلمان

الادب فن تواصلي واكتشاف لا ينتهي لقضايا الوجود وصراعاته باعتماد مقاييس جمالية تشكل معماره الفني (صور بيانية/ تركيب لفظي/ خيال).
الشعر مكون ابداعي وجزء من تجربة ادبية ابداعية جمالية تتكئ على الصورة والمجاز، باقتحامه عوالم مفعمة بالرؤى لحظة امتلاك الوعي، انه المغامرة التي تعبر عن موقف ازاء الحركة الكونية والاشياء، بلغة رامزة موحية برؤية مكتظة بواقعيتها، الإدهاشية..
والنص الشعري بتجاربه الايقاعية افرز اشكالا شتى كان اخرها قصيدة النثر التي شهدت بدورها تحولات فنية وفكرية مرافقة للتحول الفكري والانساني المعاصر انتهت بالومضة الشعرية التي تعد شكلا من اشكال الحداثة المسايرة لحركة العصر وتحولاته، باعتمادها التكثيف والتركيز وميلها الى الادهاش والمفارقة، حتى قيل انها(الشكل والمحتوى مندمجان في عملية الخلق الشعري)على حد تعبير هربرت ريد..لانها تتفرد بخصوصية التركيب والوحدة الموضوعية والايماء مع اقتصاد في الالفاظ والايقاع والصورة والفكرة التي تحقق الدهشة والكثافة الشعرية.. فضلا عن انها دائمة الانتاج والتخلق.
والمجموعة الشعرية (طيور تفضل المشي) التي نسجتها انامل مبدعها اكرم الامير واسهمت دار ومكتبة عدنان في نشرها وانتشارها/2014، بقصائدها القصيرة والوامضة التي تصور لحظات شعورية مكثفة تخلق حقلا من الدلالات ابتداء من العنوان الذي يكشف عن وظيفة محفزة في بنيته، فضلا عن تميزه بإبعاده الدلالية بما يحمله من طاقة ايحائية متميزة بفيضها الدلالي المنبثق من نسيج مختزل مكثف التركيب الشعري.
طيورك الملساء تلعن الشعر وتفضل المشي
وفراشات بمناقير تهرول قرب الباب
والباب بمفتاح واحد
خلف الباب /ص78

ففاعلية الصورة الشعرية تقوم على مدركات عقلية تكشف عن وعي شعري يقوم على رمزية تحمل اشارات سيميائية متوهجة تضفي دفقا شعريا متفاعلا يمور بالدلالات والاشارات المعبرة عن لحظة التوهج الروحي والفسيولوجي برؤيا شعرية متجاوزة المعايير الجاهزة عبر مغامرة التشكيل الصوري التي تجمع ما بين الواقعي والتخييلي .. اليقظة والحلم ..
في عينيك
نظرت الى وجهي
فوجئت
وعرفت…
ان المرايا كلها تتعمد الاطراء /ص13
فالشاعر يقدم نصا مكثفا بتراكيبه الجملية الموحية ضمن نسيج شعري مهدرج مع اختزالية تمكنت من تحقيق الوظيفة الجوهرية للشعر عن طريق العمل داخل اللغة واعتماد وحدة موضوعية تلملم وحدات النص التي خلقت خطاب الذات ومناخاتها للتعويض عن الغربة من جهة ولإيجاد حالة من التوازن بينها والعالم الموضوعي من جهة اخرى.
(سبحانك ايها الرب جذور ورد لم تنتزع من طينها طين الجنيات، فحين تبلله أزهر، وفي عينيها كم حاولت النطق الا ان كلماتي سكر لا تعرف سوى الذوبان، آه كم انا فضولي فيك، فحينما يتعلق الامر بك استعد كبندقية)
فالذات الشاعرة هي المرتكز في دائرة النص والتي تحتضن الوجود كمكون تتنفس محطاته، بتوظيف التعبيرات المشحونة بطاقة التوتر من اجل الحفاظ على العاطفة المتمردة ببناء فني يوظف تقانات فنية من اجل اثراء نصه وتحويل صوره من نبضها الفكري الى نبض جمالي متكئ على التكثيف الصوري العميق عمق دلالته فيكشف عن عاطفة تمزج بين التأمل والتداعي.
وبذلك قدم الشاعر نصوصا جمالية متميزة بتدفقها الشعري الذي يتناسب وسرعة الوجود بتركيزها ورمزيتها وصورها المقتحمة لعوالم مفعمة بالرؤى كي تتناسب ومقتضيات العصر بلغة
تتجاوز المألوف بانزياحاتها وتكثيف جملها التي تحمل العمق الدلالي الكامن وراء دالة رمزية معرية للواقع.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة