قد يبدو العنوان غريباً او غير مألوف، لا سيما ونحن نستقبل العام الجديد (2019) ونودع عام جرت فيه احدى أكثر الدورات الانتخابية المخيبة للآمال (تنظيمياً وسياسياً)، حيث يوشك الربع الاول من عمرها بالانقضاء، من دون ان تتمكن هذه الطبقة السياسية المهيمنة على مقاليد امور عراق ما بعد التغيير؛ من اكمال تشكيل الحكومة العتيدة.
وكما يقول المثل المعروف (المكتوب مبين من عنوانه) فان الرهان على ما اطلق من وعود وشعارات ومشاريع من قبل كتل مثلت اتعس ما انحدر اليه العراقيون من واقع اقتصادي واجتماعي وسياسي وقيمي؛ سيؤكد ما ذهبت اليه التقارير والآراء التي لا ترى اي ضوء في آخر هذا النفق من العدالة الانتقالية. ان بقاء واستمرار هذا الواقع المزري للعملية السياسية ومخلوقاتها وكتلها المسكونة بكل ماهو متنافر وقيم الديمقراطية والتعددية والحداثة، يعني الاستسلام لما خطته هذه الطبقة السياسية من طرق وسبل لتجريد هذا النظام الجديد (الاتحادي الديمقراطي) من كل مزاياه البناءة، لصالح قشوره وآلياته وعناوينه ومفوضياته، التي استسلمت مبكراً لمعسكر التشرذم واللصوصية والركود.
لقد تعرفنا في المرحلة التي كانت باكورتها نجاح عصابات داعش الظلامية، في استرداد الفردوس المفقود (الخلافة) على أكثر من ثلث الاراضي العراقية (صيف العام 2014)، ومن ثم اعادة استرداد تلك المدن والتضاريس منها، بعد تضحيات واستنزاف هائل للارواح والامكانات والفرص؛ على غير القليل من المحاولات التي رفعت رايات ويافطات الاصلاح والتغيير، بما فيها الاحتجاجات والتظاهرات والتي تحولت الى طقوس اسبوعية تحت نصب الحرية، والحصاد النهائي لها في جوف الصناديق ونوع التحالفات والنتائج التي تمخضت عنها. كل ذلك يستدعي البحث عن وسائل وسبل ناجعة أو خطوة صحيحة على طرق الالف ميل، والخطوة الصحيحة والمجربة تنطلق من وعي وتشخيص سليم لما يمر به العراق من محن وكوارث، ونوع القوى والمصالح والعقائد التي تقف خلف كل ذلك، هذا هو أول المشوار، فمن دون البوصلة الفكرية والقيمية تنجرف أفضل النوايا والفزعات الى نهايات لا تقل بؤساً عما حاولت تغييره.
الامر الذي يصعب الجدال فيه؛ هو فقداننا كعراقيين من شتى الرطانات والهلوسات والازياء؛ للمشروع الوطني والحضاري الذي يضم أفضل ما لدينا من مواهب وامكانات وروح للايثار، ذلك المشروع المفقود والذي بمقدوره وحده التصدي لوباء التشرذم واللصوصية والشعوذة والاجرام الذي تفشى في المجتمع والدولة (قبل التغيير وبعده). وهنا لا بد من الاشارة الى الدور التضليلي لسكراب الاحزاب الحداثوية والتي تدعي الليبرالية والعلمانية واليسار، والتي ما زالت تشغل مساحة وعناوين هجروها منذ زمن بعيد.
ان الطريق الى العام 2022 حيث ستجرى الانتخابات البرلمانية المقبلة، يستدعي اعادة النظر الجذرية بكل ما جرى، كي لا تهدر الاجيال الحالية جهودها وحماستها في طرق السبل الموصدة، وكي تضع نصب عينيها مهمة ايجاد أفضل وانجع الوسائل من أجل تفعيل المزايا البناءة في نظامنا الاتحادي الديمقراطي، وهذا يتطلب قطع الطريق أمام هذه الطبقة السياسية المصرة على افراغ هذا النظام من محتواه الحضاري والمتناغم تماماً والتطلعات المشروعة والوطنية للشعوب العراقية. هذا هو التحدي الذي ينبغي التعاطي معه ونحن على أبواب العام الجديد؛ تحدي امتلاك كتل سياسية تجمع الروافد السليمة للعراقيين وتضع حد لهذا المسلسل الطويل من النهش المتبادل لبعضنا البعض الآخر…
جمال جصاني
في الطريق الى 2022
التعليقات مغلقة