بعد تبادل اتهامات بين الأكثرية والمعارضة
متابعة _ الصباح الجديد:
أقرّ مجلس النوّاب الإيطالي امس الاول السبت، وسط أجواء متوتّرة، ميزانية العام 2019 بتصويت على منح الثقة للحكومة الشعبوية التي لجأت لآليّة التصويت هذه كي يتمّ إقرار الموازنة بسرعة وكما هي، من دون أن يتمكّن النواب من إدخال أي تعديل عليها.
ومشروع الموازنة الذي أقرّته الحكومة بعد طول أخذ وردّ مع المفوضيّة الأوروبية التي سبق لها أن رفضت مشروعاً أوّل تقدّمت به الحكومة الإيطالية، في سابقة من نوعها في تاريخ الاتحاد الأوروبي، سبق له وأن حصل في الأسبوع الماضي على أصوات مجلس الشيوخ الذي أقرّه بنفس الطريقة أي بالتصويت على الثقة.
وبعدما توالت على الكلام في مجلس النواب طوال ساعتين الكتل النيابية المختلفة في نقاش تخلله تبادل اتهامات بين الأكثرية والمعارضة، حصلت الحكومة على الثقة بأكثرية 327 صوتاً مقابل 228 صوتاً وامتناع نائب واحد عن التصويت.
وفي إيطاليا تلجأ الحكومة لإقرار مشاريع القوانين من خلال آلية التصويت على الثقة إذا ما أرادت أن يتم إقرار المشروع بسرعة وكما هو، إذ لا يعود بإمكان البرلمان إدخال أي تعديل عليه.
وأعدّت الموازنة الحكومة المشكّلة من حركة «خمس نجوم» المناهضة للمؤسسات التقليدية وحزب «الرابطة» المعادي للهجرة بعدما خفّفت إجراءات أساسية كانت واردة في الميزانية الأولى التي رفضتها المفوضية.
وتتضمّن الموازنة التي أقرّت إنفاقاً كبيراً في وقت تحاول فيه الحكومة تجنّب تعرّضها لعقوبات من قبل المفوضية الأوروبية والأسواق. ولو لم تتوصل إلى تسوية مع التكتل، لكانت إيطاليا ستواجه عقوبات مالية تشكّل 0,2 بالمئة من إجمالي ناتجها الداخلي.
وتركّزت محادثات روما مع بروكسل على ما يطلق عليه العجز الهيكلي الذي يشمل الإنفاق العام بأكمله باستثناء خدمة الدين العام. وكانت النسخة الأولى من الموازنة ستنسف التزامات الحكومات السابقة وتراكم المزيد من الديون على روما.
وبموجب اتفاق الأسبوع الماضي، سيكون من الممكن السيطرة على الديون حيث تمّ خفض العجز إلى 2,04 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي. ويُعدّ الدين العام في إيطاليا مشكلة كبيرة حيث تبلغ ديونها حاليا 2,3 تريليون يورو، أي ما يعادل 131 بالمئة من إجمالي ناتجها الداخلي، وهو رقم أعلى من السقف الذي حدّده الاتحاد الأوروبي والبالغ 60 بالمئة.
وتعيّن تمرير قانون الموازنة قبل 31 كانون الأول وإلاّ لكانت ستستمر بالعمل وفق القاعدة الإثني عشرية أي بحسب ما كان عليه الانفاق الشهري في ميزانية 2018. وعدم اعتماد القانون قبل هذا التاريخ كان من شأنه أن يؤخّر تطبيق الأحزاب الحاكمة للاصلاحات التي وعدت بها عند انتخابها في ربيع 2018.
*المعارضة تحضّر للاحتجاج
وقبل اقرار الموازنة تظاهر في البرلمان السبت عدد من نوّاب ومؤيّدي الحزب الديموقراطي (يسار وسط) احتجاجاً على تهميش البرلمان. وكان الحزب طعن بآلية التصويت على مشروع قانون الموازنة الذي أقرّه مجلس الشيوخ، ويتعيّن على المجلس الدستوري أن يعلن بحلول 9 كانون الثاني/يناير المقبل ما اذا كان سيقبل النظر في هذا الطعن أم لا.
وقال رئيس الوزراء جوزيبي كونتي في مؤتمر صحافي عقده الجمعة «لا توجد رغبة متعمّدة من الحكومة لتجنّب النقاش وتقليص مدة دراسة مشروع القانون في البرلمان».
يُذكر أنّ كونتي هو محام غير منضو في أيّ من الحزبين الحاكمين وعمل للتوصّل إلى حلول توفيقية بين الأحزاب من جهة وبين بروكسل من جهة أخرى منذ تشكّلت الحكومة في حزيران.
وفي سابقة تاريخية، رفضت المفوضية الأوروبية في تشرين الأول موازنة إيطاليا التي تضمّنت نفقات كبيرة وكان من المفترض أن تحدّد دخلاً أساسياً عاماً وتلغي إصلاحات في نظام المعاشات التقاعدية. لكنّ إيطاليا وافقت الأسبوع الماضي على خفض تكاليف هذين البرنامجين التاريخيين وألزمت نفسها بعدم مراكمة مزيد من الديون العام المقبل فوق ديونها الهائلة البالغة 2 تريليون يورو. ومن المنتظر أن تطلق المعارضة والنقابات يوماً احتجاجياً في 12 كانون الثاني ، رفضاً للاقتطاعات المنتظرة في تعويضات التقاعد. وحاولت الحكومة جاهدة التوصّل إلى ميزانية ترضي ناخبيها وبروكسل والأسواق على حدّ سواء. لكنّ العديد من الإيطاليين اشتكوا من أنّه تمّ تخفيف التدابير لإرضاء المفوضيّة الأوروبيّة. وانخرطت إيطاليا في مفاوضات مكثّفة مع الاتحاد الأوروبي حيث خشي الطرفان من أن تثير إطالة أمد الخلاف قلق الأسواق وتشعل أزمة ديون في ثالث أكبر قوة اقتصادية في منطقة اليورو.
وأصرّ كونتي الجمعة الماضية على أنّ «الميزانية لم توضع في بروكسل، هذا غير حقيقي. لقد أعدّت في إيطاليا».