العناية الفائقة بالآخر

– 1 –
هناك مقولة معروفة تقول :
( من السهل ان تكون عالما ،
ومن الصعب ان تكون انسانا )
ولتوضيح ذلك نقول :
ان مواصلة الاشواط العلمية بجد واتقان، تُوصلك الى رحاب العلم، وبالتالي تتبوأ مكانك في صفوف العلماء في حقل من حقول العلم الكثيرة…
وما أكثر العلماء الذين أغنوا الانسانية بافكارهم وبحوثهم ومؤلفاتهم ..
– 2 –
العلماء كثيرون – كما قلنا – والسؤال المركزي الذي يطرح نفسه :
كم هم اولئك العلماء الذين يمكن أنْ نُطلق عليهم صفة (الانسانية) بصدق وجدارة ؟
انهم لاشك قليلون
فالعالِم الذي يَصبُّ عظيم عنايته لاكتشاف الأسلحة الفتّاكة بالبشرية لا يمكن ان نطلق عليه صفة الانسان يقينا ، لانه سمح لنفسه ان يتجرد عن هذه الصفة حين اخترع الاسلحة المُبيدة …
والعالِم الذي يختزن علمَهُ في صدره ولا يبوح به من قريب او بعيد ، يبعد نفسه عن ان يكون مشمولاً بصفة الانسانية وهكذا ..
– 3 –
لقد بلغ السمو الاخلاقي عند أحد العلماء درجة قد لا يصدقها القارئ ..
قالوا :
انّ رجلاً انتَزَعَ منه عباءته وقال له :
انك لا شك تملكُ غيرَها ، بينما أنا لا أملك عباءةً، فقال له :
ان العباءة صارت لك ، والمطلوب منك الآن ان تقبل بتقاضي الأجر مني على ارتداء هذه العباءة حتى أصل الى البيت،وسأدفعها اليك حال الوصول ..!!
انه يشفق حتى على الغاصب المسيء اليه .. ويُزيل عنه أعباء المسؤولية عما اجترحه ..!!
هذه هي الانسانية في واحدة من تجلياتها الواضحة .
– 4 –
انّ المجتمع السعيد هو المجتمع الذي يكثر فيه المعنيون بغيرهم مضافا الى عنايتهم بأنفسهم ، والساعون الى تقديم أعظم ألوان الخدمة العامة ، لا المجتمع الذي تقل فيه الأمراض ، وتكثر فيه الأموال، والحاصلون على الشهادات الأكاديمية، وتعظم فيه الأنانية ، وتضمر النزعة الانسانية …
– 5 –
ومن جميل ما قرأتُ اليوم :
ان عالما كبيراً من علمائنا الماضين ، دخل مع أبنائه الى الحمّام ، فرأى في الحمّام أيتاماً تعاطف معهم وحين ناداه أحد ابنائه قائلا :
بابا
قال له :
لا تقُل بابا، مراعاةً لشعور الايتام الذين التقاهم في الحمّام ..!!
الى هذا الحد كان حريصا على مراعاة شعور الايتام ،
ثم لم يكتف بذلك حتى أمر بشراء اللوازم المدرسية لهم
– 6 –
اننا لا نكتب قصصاً للتسلية ، وانما نسعى الى التذكير بما يدفع نحو تكثيف العناية بالآخرين، لا سيما الايتام والفقراء والمهجرين والمستضعفين الذين جار عليهم الزمن وأذاقهم كؤوس العناء ..
وما أكثرهم في العراق الجديد .
– 7 –
ولعلَّ أروع ما يكمن ان نختم به المقالة هو ان ننقل لكم ما دار بين أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب – أيام خلافته – وبين من قال له :
” لا أئتم بك ،
ولن أشهد معك الصلاة ،
ولن أئتمر بأمرك ،
ولن يكون لك عليّ سلطان
فقال له :
لك ذلك مع عطائك كاملا ،
بشرط ان لا تعتدي على أحد .
فان اعتديتَ عاقبتُك بما تستحق ”
ومن الواضح أنَّ جواب الامام يكشف عن المدى الواسع الذي يسمح به الاسلام للرأي الآخر .
وهذا مالم نشهده من معظم الحكّام والرؤساء وأصحاب السلطة، ثم انّ جوابه (عليه السلام) يكشف أيضا عن حرصه الكبير على سلامة المواطنين جميعا، وابعاد شبح الاعتداء عنهم ..
وهذه هي قمة الانسانية .‏‫‬
حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة