يوشكا فيشر
برلين
سيكون عام 2019 ذو أهمية سياسية كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي. فقد تم تحديد موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك يوم 29 مارس/ آذار 2019. وبعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي ستجري في شهر مايو/أيار، وسيتم تسليم جميع المناصب القيادية الأكثر أهمية في جميع مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وهكذا، اعتمادا على كيفية توزيع المقاعد البرلمانية، يمكن لأوروبا أن تشهد إعادة ترتيب رئيسة للسلطة بين الدول الأعضاء، وداخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وبين الدول الأعضاء والبرلمان.
سيتم إعادة توزيع السلطة داخل المؤسسات الأوروبية من خلال توزيع الموظفين. وسيتم تعيين الرؤساء الجدد للمفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي، كما سيتم اختيار الممثل السامي للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي. إذا أصبحت الأحزاب المتشككة في أوروبا تُمثل الأغلبية في البرلمان الأوروبي، فإن هذه التعيينات قد تعكس انفصالًا مفاجئًا عن الماضي.
أصبحت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أكثر انقسامًا من أي وقت مضى، حتى في أكثر القضايا الأساسية المتعلقة بالمشروع الأوروبي. على سبيل المثال، تم استبدال الإجماع العام المؤيد لأوروبا في الماضي بقومية جديدة. علاوة على ذلك، انفصل الشرق بنحو متزايد عن الغرب، والشمال عن الجنوب. وهناك سبب وجيه للخوف من انعكاس هذه الانقسامات في التكوين الجديد للبرلمان الأوروبي، مما يجعل حكم الأغلبية صعبًا إن لم يكن مستحيلاً.
إن التحالف الكبير بين حزب الشعب الأوروبي المحافظ (EPP) والتحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين (S&D) لن يستمر على الأرجح بعد الانتخابات. يعاني التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين، على وجه الخصوص، من أزمة عميقة – بل وجودية – في جميع أنحاء أوروبا. إضافة إلى ظهور أحزاب جديدة في المنطقة، بما في ذلك حزب «الجمهورية إلى الأمام» للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبعض الأحزاب القومية المتطرفة المعادية لأوروبا.
ونظرا للأهمية غير المسبوقة للأحزاب القومية في هذه الدورة الانتخابية، فإن القضايا المعتادة للحملة الأوروبية ستعرف تراجعا ملحوظا. سيكون ذلك بمنزلة صراع بشأن أوروبا ومستقبل الديمقراطية الأوروبية. تَحدٌت التطورات الأخيرة في عدد من الدول الأعضاء مبادئ الاتحاد الأوروبي الأساسية مثل سيادة القانون وفصل السلطات. يجب أن تكون المؤسسات الديمقراطية، إضافة إلى قضايا التضامن والسيادة الأوروبيين، في قلب هذه الحملة.
وغني عن القول إن الانتخابات البرلمانية ستكون لها آثار بعيدة المدى على مستقبل أوروبا في عالم سريع التغير. إضافة إلى ازدراء الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاتحاد الأوروبي حيث يتحدث الكثيرون اليوم عن «نهاية الغرب، وشن روسيا الانتقامية الحروب في المحيط الأوروبي وسوريا، وقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلاده نحو الاستبدادية، ومطالبة الصين بالاعتراف بها كقوة عالمية.
والأسوأ من ذلك أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير بسحب الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى لعام 1987 مع روسيا يثير التهديد بتجدد سباق التسلح. وهذا يتزامن مع أزمة مناخية متصاعدة ومنافسة عالمية للهيمنة على الذكاء الاصطناعي، والتي يصعب التنبؤ بمخاطرها.في مواجهة هذه الخلفية المُحزنة،
فإن السؤال المطروح: ما الذي سيحدث في أوروبا. هل سيستطيع الأوروبيون التمسك بسيادتهم، أم أن انفصالهم الذاتي سيجعلهم أكثر اعتمادًا على قوى جديدة؟
يجب أن تجعل الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي من مكانة أوروبا في العالم قضية مركزية في حملة الانتخابات البرلمانية. وإلا، فسيعانون من هزيمة مدمرة على أيدي القوميين الجدد. يرغب القوميون في العودة إلى الماضي، وهناك اعتماد على المؤيدين لأوروبا لتقديم إجابات للمستقبل.
لا يجب أن نخطئ: إن فوز القوميين في العام القادم سيهُزٌ الاتحاد الأوروبي وسيُعرضه لأزمة عميقة أخرى. سوف يمثل ذلك هزيمة للقيم الأساسية للمشروع الأوروبي. وبالنظر إلى حجم التهديد، لا يمكن للمؤيدين لأوروبا الاعتماد على الأعمال. لقد أدت التغييرات الأخيرة في العديد من أنظمة الأحزاب في الدول الأعضاء إلى تغيير الحسابات الانتخابية، ويتعين على المؤيدين لأوروبا التكيف مع هذا الأمر.
من وجهة نظري، أتوقع تغيرا ملحوظا في الانتخابات الأوروبية القادمة. سواء كان ذلك للأفضل أم للأسوأ، فقد تم تسييس قضية أوروبا نفسها، والآن يجب اتخاذ قرار نهائي بشأنها. وسيكون ذلك إما من خلال نهضة القومية أو انتصار الديمقراطية والوحدة الأوروبية.
ولسوء الحظ، لا يمكن للمؤيدين لأوروبا الحصول على أي مساعدة من الخارج. بل على العكس من ذلك: يجب أن تكون أوروبا يقظة في ضبط التدخل الأجنبي في شؤونها – بما في ذلك انتخاباتها.
وفي السنوات الأخيرة، كان هناك نقاش واسع حول معاناة الاتحاد الأوروبي من «عجز ديمقراطي».
لكن النضال من أجل الحصول على أغلبية المقاعد في البرلمان الأوروبي يُوفر في الواقع فرصة كبيرة للديمقراطية.
يحتاج المؤيدون لأوروبا للعمل الوقت المناسب لانتهاز هذه الفرصة – وإلا فسيعمل أعداء أوروبا على القيام بذلك.
يوشكا فيشر هو وزير خارجية ألمانيا ونائباً لمستشارها في الفترة من 1998 إلى 2005، وكان زعيماً لحزب الخضر الألماني لمدة تقرب من العشرين عاماً.