“اليوم البرتقالي” هو سلسلة من الفعاليات والنشاطات أطلقتها الأمم المتحدة في العام 1991 لمناهضة جميع أشكال العنف الموجه ضد النساء والفتيات حول العالم، تمتد لمدة 16 يوماً تبدأ من 25 تشرين الثاني وتنتهي في 10 كانون الأول.
في مثل هذه الأيام من كل عام تقود الأمم المتحدة ومؤسساتها وبمشاركة واسعة من منظمات الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان والقوى المناصرة لقضايا الحقوق والحريات، حملة واسعة لتعزيز مكانة المرأة ودورها في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد عكس أحد شعاراتها السابقة وبدقة أهمية وخطورة هذا الملف في مجال الأمن والسلام عندما قال: (من السلام في المنزل الى السلام في العالم)، وهذا ما أكده هذا العام الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرس عندما قال: (لا يمكننا حقاً أن نقول اننا نعيش في عالم يسوده العدل والمساواة،
حتى يتمكن نصف سكاننا المتمثلين في النساء والفتيات من العيش في مأمن من الخوف والعنف وانعدام الامن يومياً). مثل هذه الشعارات والمقولات تبدو منطقية وواقعية لكل ذي عقل ووعي وضمير، لذلك نجدها تتجسد بالعديد من النشاطات والتشريعات التي تنتصر لمثل هذه القضايا العادلة عند الامم التي أكرمتها الاقدار بمنظومة الحقوق والتعددية والحريات،
وعلى العكس من ذلك عند الامم والشعوب والملل التي استيقظت على تضاريسها ديناصورات القبائل والعشائر والعصابات والكتل التي تستمد عنفوانها من علف “الهويات القاتلة” وغيبوبة الحشود المهرولة الى هاوية الرسائل الخالدة والسرديات والهذيانات التي انقرضت منذ قرون.
وما عودة الفردوس المفقود (الخلافة) على ثلث الاراضي العراقية صيف العام 2014 على يد عصابات الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) والتي مثلت ذروة الردة الحضارية في مضاربنا المنكوبة من دون خلق الله؛ إلا مثالاً سافراً على طبيعة الفضلات القاتلة وحجم الاحتياطي الهائل منها. هذا الإرث الذي يقف بالمرصاد لكل دعوة تتجرأ على التضامن الفعلي مع المستضعفين على أساس الجنس، ذلك التمييز الذي تستمد منه كل قوى العنف والكراهة والقسوة، أسباب قوتها وديموتها، لذلك نجدها جميعاً (ديناصورات الكراهة والعنف من دون تمييز على أساس الرطانة والخطاب) تشترك بالموقف المعادي لكل ما له صلة بالدعوة لمساواة المرأة بالرجل تحت شتى الذرائع الواهية.
أما المواقف الاستعراضية والخجولة والعابرة، التي تطفح لدينا في مثل هذه المناسبات الأممية، فلا تعدو أكثر من ذر الرماد في العيون، حيث لا مواقف فعلية ورسمية ولا تشريعات تعكس ذلك الصخب والضجيج على ارض الواقع، لا بل ان المعطيات والارقام تتحدث عن غير ذلك تماماً، وقد شاهدناه في الدور الذي رسموه للمرأة في الكابينة الحكومية الجديدة والمناصب الحكومية الاخرى، حيث تم اختيار مرشحتين لحقيبتي التربية والتعليم والعدل، لم تحصدا سوى الرفض والامتعاض الواسع الرسمي والشعبي، وهي تعكس بوضوح طبيعة العقلية الذكورية المتخلفة، في التعاطي مع هذا الملف الحيوي في حياة المجتمعات والدول.
ان هذا النفوذ الواسع للقبائل “وسناينها” والاجنحة المسلحة و”فصائلها” على حساب الدولة الحديثة وقوانينها ومؤسساتها المدنية والعسكرية؛ لن يسمح لمثل هذه “الأيام البرتقالية” بترك ادنى أثر على مضاربنا المطوبة لوصاية قبائل و”أحزاب” و”كتل” لا يدخل دواوينها ومكاتبها السياسية إلا من وهبته الأقدار شارباً يهتز عند مفترق الطرق…!
جمال جصاني
البرتقالي.. مطلوب عشائرياً
التعليقات مغلقة