نادية..

حين اخذها تنظيم داعش الارهابي الاسود ، سبيٌة ، مع عشرات النسوة والفتيات اليافعات ، لم يكن يدر في خلد العراقية الايزيدية نادية مراد ، انها سترتقي يوما ما منصة نوبل لكي تتسلم جائزة السلام العالمية ، بوصفها السيدة الاولى في العالم التي تمكنت فعلا من الهرب والنجاة من براثن ذلك التنظيم المقيت الذي لا يجيد شيئا سوى القتل والدمار ونشر الظلام في ارجاء الارض ، لتنطلق بعد نجاتها في اطلاق وقيادة العديد من الحملات ضد الاغتصاب والاعتداء الجنسي من قبل المتطرفين ، اسهمت تلك الحملات في لفت انظار المجتمع الدولي إلى ما تتعرض له المجتمعات المحلية والأقليات والفئات الهشة في مناطق الحروب والنزاعات .
نعم ، لم تكن نادية تفكر ، او انها حتى لم تكن سمعت بنوبل وجوائزه الخمس ومنها جائزة السلام ، كان همها في تلك الايام العصيبة المرة هو النجاة من أولئك الاشرار ، وحين حانت لها فرصة الهرب ، لم تكن تدري إلى اين تولي وجهها ، فالدواعش اغلقوا كل شيء ، ولكنها على الرغم من ذلك هامت على وجهها ، علٌ الله يرسل لها منقذاً ، فهداها الله إلى ذلك البيت الموصلي الذي كان يفيض مروءة وأصالة وإيمانا بالإنسانية ، وبيدٍ مرتجفةٍ طرقتْ ذلك الباب ، وهي لا تعلم ما الذي يخبئه لها قدرها ، قدرها الذي كان رحيما بها ، فهو قدر عراقي طابعه الرحمة ، اذ فتح لها الباب شاب وأبوه ، وكانا هما ايضا خائفين ، ففي تلك الايام السود لم يكن سوى الدواعش يطرقون الابواب ، وحين وجداها امرأة لم يتأخرا في ايوائها من دون ان يفكرا في عاقبة امرهما ،
كان ذلك الشاب هو عمر الموصلي الذي جازف فيما بعد وهو ينقذ نادية من الشر المحدق بها ، وقد دفع ثمن فعله العظيم هذا بان اعدم الدواعش اخاه عليا ، وبقي هو مشردا بين البلدان حتى توقف به قطار الالم في بلاد الالمان الذين رفضوا ان يمنحوه الاقامة في بلادهم لأنهم لا يعرفون ماذا فعل ، وأي ثمن دفعه بسبب فعله العظيم ذاك .
نجت نادية ، لترسم بنجاتها تلك ، صورة المأساة الحقيقية التي عاشتها ومعها بقية النسوة الايزيديات ، وقد نجحت فعلا في ان توصل تلك الصورة إلى كل العالم ، الذي لم يكن يتصور ما اقترفه داعش من جرائم لم تعرف الانسانية لها مثيلا من قبل ، وبموقف نادية هذا تغيرت الكثير من المواقف ، وأدرك العالم كله ان الحرب التي يخوضها العراقيون ضد الارهاب ، لم تكن فعلا عابرا ، انما كانت حماية ودفاعا عن الانسانية حيثما وُجدت .
ومن المؤكد ان حصول نادية مراد على جائزة نوبل للسلام وان كانت مناصفة مع الطبيب الكنغولي دينيس موكويغي ، بعد ان تنافس عليها اكثر من 300 شخصية ومنظمة عالمية ، ليس امرا سهلا ، فهي المرة الاولى التي يرتفع فيها اسم العراق في سماء جائزة نوبل ، وان حصولها على الجائزة العالمية للسلام ، انما يمثل رسالة مهمة مفادها ان العراقيين كما هم دوما يصنعون الحياة والسلام من بين ركام الحرب ويحيلون دخان المعارك إلى غيوم تمطر غيثا يحيي الارض بعد موتها ، وهنا يمكن القول ان السلام الذي حصلت نادية مراد على جائزته ، لم يكن من صنع نادية وحدها ، انما اشترك العراقيون جميعا في صناعته ، فما كان لهذا السلام ان يتحقق لولا فتوى الجهاد الكفائي التي اطلقتها مرجعية النجف ، فكان الحشد الشعبي ، وكان فعله البطولي ، وما كان للسلام ان يحل في ارجائنا لولا الوقفة البطولية لجيشنا العراقي العظيم بجميع صنوفه ، وشرطتنا الوطنية البطلة ، وجهاز مكافحة الارهاب البطل ، ومواقف الشرف العظيم للأهل والأحبة في المناطق التي استولى عليها الدواعش ، وموقف عمر الموصلي الذي انقذ نادية انما مصداق لذلك الفعل .. ولهذا ليس كثيرا علينا ان قلنا ، ان السلام العالمي جاء عراقيا هذه المرة ، ولا شك ان هذا السلام سيكون منطلقا حقيقيا لبداية مرحلة عراقية جديدة تختلف كليا عما مر بنا من مآسٍ ، مرحلة عنوانها ، السلام والمحبة والأخوٌة في وطن واحد اسمه العراق .
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة