هاني حبيب
أفضت القمة العربية في آذار ٢٠٠٢، في العاصمة اللبنانية بيروت، الى اول حديث عربي رسمي عن التطبيع مع إسرائيل، بعد ان كان هذا المصطلح غائباً تماماً عن الثقافة السياسية العربية الرسمية التي كانت سائدة في جميع الدول العربية التي لم توقع اتفاقات مع الدولة العبرية، فإن إطلاق العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز ما بات يعرف بالمبادرة العربية للسلام. أقرت القمة العربية هذه المبادرة وتبنتها بوصفها الموقف العربي الرسمي إزاء عملية السلام مع إسرائيل. تنطلق هذه المبادرة من انه مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي المحتلة، حتى خط الرابع من حزيران ١٩٦٧، من الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، وقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، فإن الدول العربية، ستعد ان الصراع مع إسرائيل بات منتهياً، وبالتالي ستقيم علاقات طبيعية معها.
هذه المبادرة تتناقض تماماً مع القمة العربية الثامنة عشرة والتي عقدت في العاصمة السودانية الخرطوم عام ١٩٦٧، حيث خرجت هذه القمة بما بات يعرف باللاءات الثلاث، «لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات»، هذا الموقف كان رداً على هزيمة حزيران ١٩٦٧.
كان الموقف العربي متماسكا وموحدا برغم هذه الهزيمة التي الحقتها اسرائيل بالجيوش العربية، المبادرة العربية تخلت عن هذه اللاءات تماما في قمة بيروت، نتيجة لجملة من المتغيرات على الخريطة السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية والاقليمية، نجمت عنها متغيرات في الاولويات العربية ونزوع سياسة هذه الدول نحو «القطرية» بديلاً عن «القومية» التي كانت سائدة فيما مضى، ترجمة هذه الرؤية ادت الى ان هذه الدول نظرت الى اسرائيل كجارة وربما كشريك محتمل بدلاً من حالة العداء، في ظل بروز الدور الاقليمي لإيران، وتزايد نفوذ الاسلام السياسي في المنطقة وتغذية قوى الإرهاب، ناهيك عن الاضطرابات الداخلية وانتشار الفساد والمشكلات الاقتصادية.
يلاحظ من هذا المقدمة السريعة، انه في الوقت الذي ألغت فيه قمة بيروت لاءات قمة الخرطوم، فإننا نرى هذه الايام، ان العرب، أصحاب مبادرتهم، قد الغوا عملياً مبادرتهم، ليس فقط انهم لم يطرحوها جدياً في المحافل الدولية كبديل عن الرؤية الإسرائيلية للمفاوضات، بل انهم تجاهلوا تماماً في السنوات الأخيرة، لكن في الأسابيع الأخيرة، تم دفن هذه المبادرة عملياً خلال أسبوع واحد فقط، صحيح ان العلاقات الأمنية والرياضية والاقتصادية، كانت تجري بين هذه الدول العربية سراً مع إسرائيل، الا ان ما جرى خلال الأسبوع المذكور، نقل هذه العلاقات من السر الى العلن الصاخب والمفضوح، بجرأة مجللة بالصفاقة، وخضوعاً لتفسير نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، للمبادرة العربية، من ان «التطبيع قبل التوقيع»، كما اشار في اكثر من مناسبة، حيث تقلب بنود المبادرة العربية الى تطبيع مع دولة الاحتلال، قبل اية مفاوضات من شأنها التوصل الى اتفاقات، ومن غير المتوقع في ظل هذه الهرولة العربية نحو دولة الاحتلال، ان تتم ترجمة مقولة «التطبيع قبل التوقيع» لصاحبها نتنياهو، فهناك ايضا انقلاب من وجهة نظر إسرائيل، فالتطبيع والتكيف سيصبحان من دون توقيع، اذ لا حاجة لذلك بعدما تقيم الدول العربية علاقات وطيدة، دبلوماسيا وسياسياً مع دولة الاحتلال، حتى نتنياهو سيتخلى عن مقولته بعد ما نجح في الحصول على دعم عربي لإنجازاته السياسية، بما يمكنه من خوض اية انتخابات مقبلة بلا تردد، مزودا بهذا الدعم العربي الرسمي غير المسبوق.
ان اخطر ما قامت به بعض العواصم العربية تجاه التطبيع والتكيف مع الدولة العبرية، انه يأتي في ظل اشتداد الهجمة الإسرائيلية – الأميركية على الحقوق الفلسطينية والعربية، من القرارات الأميركية بشأن القدس وحق العودة، الى قانون القومية الإسرائيلي العنصري.
وبالعودة الى الوراء، فإن العرب لم يستسلموا لهزيمة منكرة عام ١٩٦٧، ومع كل ضعفهم تمسكوا بدعمهم للقضية الفلسطينية، وما نشهده اليوم، يؤكد ان الهزيمة والانتصار مصطلحان لا علاقة لهما بنتائج العمل العسكري، بل بمتغيرات المصالح والأهداف.
ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية