بارتولد بريشت
ترجمة سوار ملا
ذكرى ماري
1
في ذلك اليوم من أيلول (سبتمبر)
ذي القمرِ الأزرقِ
صامتاً تحت شجرةِ خوخٍ يافعةٍ
ضممتُ حبيبتي الشاحبة الصَّامتة بين ذراعيّ
كما لو أنَّني أضمُّ حلماً لطيفاً.
فوقنا، في سماء الصيف الصّافيةِ،
أبصرتُ غيمةً من بعيدٍ
لقد كانت شديدة العلوّ، بيضاء بلا شائبةٍ
ولما رفعتُ نظري نحوها
كانت قد اختفت.
٢
منذ ذلك اليوم
انقضت أقمارٌ كثيرةٌ غارقةً
وربّما اقتُلِعَت أشجار الخوخ
وإن كنتَ تسألني عمّا حلَّ بالحبيبةِ
فسأجيبكَ بأنّي لا أستطيعُ أن أتذكَّرَ.
أنا أعلمُ بالطبعِ ما الذي تقصده،
لكنّ وجهها
نسيتُه بحقّ
ولا أذكرُ سوى أنّي قبَّلتُه قبل وقتٍ بعيد.
٣
وحتَّى القبلةَ كنتُ سأنساها منذ زمنٍ
لولا أنّ غيمةً كانت هناك
غيمة أذكرُها جيِّداً
لا تذهبُ عن باليّ قطّ
لقد كانت ناصعة البياض في العُلى.
ربّما لا تزال أشجارُ الخوخ تزهرُ
والمرأةُ تلك ربَّما تنجبُ الآن طفلَها السّابعَ
لكنَّ الغيمة هذه
تفتَّحتْ لدقائق
ولما رفعتُ بصري نحوها
كانت قد تلاشت في الريحِ.
****
أريدُ الذهابَ مع مَن أحب
لا أريدُ أن أحسبَ كم سيكلِّفني ذلك
لا أريدُ أن أفكِّر إن كان ذلك جيِّداً
لا أريدُ أن أعرفَ إن كانَ يحبُّني
وحسبُ أريدُ الذهابَ مع مَن أحب
****
حينَ غادرتُكَ
حين غادرتُك في ذَلِكَ اليومِ الرائعِ
وبدأتُ النَّظرَ ثانيةً
لمْ أبصر سوى أناسٍ مَرحين.
ومنذ ساعة المساء تلك
– أنت تعلمُ عن أي ساعةٍ أتحدَّثُ –
صارَ فمي أجملُ
وساقاي أكثر رشاقةً.
ومذ تملَّكني ذَلِكَ الإحساسُ
ازدادَت الشجرة والخميلةُ والحقلُ خضرةً
والماءُ الباردُ أكثر لطافةً
حين يمسُّ جسدي.
جوني سورابايا
1
آهٍ كم كنتُ يافعةً
ربّاه كنتُ لم أزلْ في السادسة عشرة
حينَ أتيتَ من بورما وقلتَ يَجِبُ أن أمضي معكَ
وأنتَ ستتكفَّل بكلِّ شيءٍ
سألتُكَ عن عملِكَ – وأقسمُ أنّ ذلك حقيقيٌّ مثلما أنّي الآن واقفةٌ هنا
فأجبتَني أنَّك تعملُ في مصلحةِ السكك الحديديّة
ولا شأنَ لك بالبحرِ
لقد قلتَ أشياء كثيرةً جوني
ولم تصدقْ في أي كلمةٍ
لقد خدعتني جوني
آه جوني كم أبغضُكَ
وأنتَ واقفٌ تتبسَّمُ
جوني، أخرِجْ الغليون من فمِكَ يا كلب!
جوني سورابايا، لمَ أنتَ فظ؟
جوني سورابايا، يا إلهي، كم أحبُّك
جوني سورابايا، لماذا لستُ مسرورةً؟
أنا أحبُّكَ جوني، وأنتَ بلا قلب.
٢
في البدءِ كانت كلّ أيامِنا آحاداً
واستمرَّ ذلك إلى أن مضيتُ معكَ.
لم يكن قد مضى أسبوعان بعدُ
حينَ لم يعد أيُّ شيءٍ فيَّ يُعجبكَ
فذرعتُ «البنجابَ»
رواحاً وجيئةً
على طول النَّهرِ حتّى البحر:
وفي المرآةِ بدوتُ مثل امرأةٍ في الأربعينِ.
أنتَ لم تُرِد الحبَّ، جوني
كنتَ تريد المالَ
وأنا، يا جوني، لم أنظر لغيرِ فمِكَ.
كنتَ تبتغي كلَّ شيءٍ، جوني،
وأنا منحتُكَ أكثر
جوني، أخرج الغليون من فمِكَ يا كلب!
جوني سورابايا، لم أنت فظٌ هكذا؟
جوني سورابايا، يا إلهي، كم أحبُّكَ.
جوني سورابايا، لماذا لستُ مسرورةً؟
أنا أحبُّكَ، جوني، وأنتَ بلا قلب.
٣
لم أهتم
لماذا تحملُ هذا الاسمَ
لكنكَ كنتَ ضيفاً ذائع الصيت على طولِ الشاطئ.
ذاتَ صباحٍ ممدَّدةً في سريرٍ قيمته ستة بنسات
سمعتُ البحرَ يزمجرُ
وكانت سفينتك واقفةً في المرفأ
وأنتَ ذهبتَ، دون أن تقولَ كلمةً.
أنت بلا قلب جوني
أنتَ وضيعٌ جوني
ها أنتَ تهجرني الآن،
قل ليْ السببَ يا جوني.
آهٍ كم أحبُّكَ جوني
كما في أوَّل يومٍ لنا
جوني، أخرجْ الغليون من فمِكَ يا كلب!
جوني سورابايا، لمَ أنتَ فظٌ هكذا؟
جوني سورابايا، يا إلهي، كم أحبُّكَ
جوني سورابايا، لماذا لستُ مسرورةً؟
جوني، أنا أحبُّكَ وأنتَ بلا قلب.
****
حين ذهبتُ إلى سان نازار
أتيتُ بلا سراويل
فسمعتُ، في الحالِ، صراخاً:
أين سراويلكَ؟
قلتُ:
بالقربِ من بدايةِ سان نازار
السماءُ شديدةُ الزُّرقةِ
والشوفانُ شاهقٌ.
****
أغنيةُ حبٍّ من زمن سيِّئ
لم يُصادِقْ أحدُنا الآخرَ قطّ
لكنَّنا مارسنا الحب معاً.
حين تعانقنا في السَّريرِ
بدا أحدُنا للآخر
أشدّ غرابةً من القمرِ.
وإذا تلاقينا بالصدفةِ في السوقِ
فقد نتشاجر حول بعض السَّمكِ:
لم نتحابّ قطّ
حين رقدنا في السَّريرِ متعانقين.