العراق 2030

رسمت الاهداف السبعة عشر التي اطلقتها الامم المتحدة عام 2015 مسارات واضحة لجميع دول العالم لاسيما تلك البلدان التي تعاني من وجود خلل بنيوي في واقعها التنموي ، ومنها العراق ، يمكن اقتفاؤها لتحقيق التنمية المستدامة وبما يضمن حقوق الجيل الحالي والأجيال المقبلة .. ولعل من اهم الاهداف التي تبنتها اجندة التنمية المستدامة 2030 ، هو الهدف الاول المتمثل بإنهاء الفقر بجميع اشكاله وفي كل مكان ، ادراكا من المجتمع الدولي ان الفقر مازال يمثل المطب الاكبر امام عجلة التنمية المستدامة ،فهناك المليارات من البشر الذين يحيون حياة معدمة بسبب الفقر في شتى دول العالم وفي مقدمتها دول العالم الثالث ، ففي العراق ، تسجل مؤشرات الفقر ارتفاعا في معدلاتها متأثرة بالظروف الامنية والاقتصادية التي واجهها البلد بعد عام 2014 ، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي اطلقتها الحكومة منذ عام 2009 ، إلا اننا مازلنا نقرأ عن ان محافظة المثنى تحتل اعلى درجات سلم الفقر ، تليها المحافظات التي تعرضت لاحتلال داعش الارهابي ، ولهذا فمازال الطريق طويلا امام الحكومة لتحقيق نتائج ايجابية فيما يتعلق بخفض مؤشرات الفقر في عموم العراق ، اذ يحتاج الفقراء إلى خلق المزيد من فرص العمل المولدة للدخل ، وهذه لا توفرها الحكومة وحدها ، بل تحتاج إلى القطاع الخاص بوصفه شريكا تنمويا مهما ، ومكافحة الفقر لا ترتبط بتوفير دخل اعلى للفقراء على وفق ما يعرف بسياسة التمكين ، انما لدينا مشكلات وتحديات في ابعاد الفقر الاخرى المتمثلة بالسكن والصحة والتعليم ، والرعاية الاجتماعية ونظام البطاقة التموينية وإعادة النازحين وتوفير الحياة الكريمة لهم ، وكل تحد من هذه التحديات يحتاج إلى برامج وإجراءات ومعالجات ناجعة . ففي مجال السكن مثلا ، تواجه الخطط الحكومية ظاهرة السكن العشوائي التي باتت تمثل علامة فارقة في كل مدينة ومحافظة وبضمنها العاصمة بغداد التي ينتشر في احشائها اكثر من الف تجمع عشوائي ، ويقطن تلك (البيوت) نحو 13% من سكان العراق ، وهذه الظاهرة تحتاج وحدها جهودا عملاقة لمعالجتها ، على وفق خريطة طريقة محددة بإطار زمني بائن .
ومن المعلوم ان العراق اطلق خلال الفترة القريبة الماضية مجموعة من الخطط والاستراتيجيات التي يسعى من خلالها إلى السير مع المجتمع الدولي في ركب اهداف التنمية المستدامة 2030 ، منها مثلا (خطة التنمية الخمسية – استراتيجية تخفيف الفقر – خطة اعادة اعمار المناطق المحررة – استراتيجية معالجة وتأهيل السكن العشوائي – استراتيجية التربية والتعليم .. الخ ) ، ومثل هذه الخطط والاستراتيجيات لا يمكن الحديث عن تنفيذها ما لم تكن مدعومة بنحو سخي ، وبحسب ما تضمنته من اهداف تسعى لتقليص الفقر وخفض نسب البطالة ومعالجة العشوائيات ، وفك الاختناق في السكن وتحسين مستوى التعليم والصحة عموما وللفقراء على نحو الخصوص ، وإعادة اعمار المناطق المحررة ، وتحقيق التنمية الحقيقية في جميع انحاء العراق . .وهذا الدعم لا يمكن للحكومة ان توفره وحدها بحكم الظروف التي يعيشها البلد ، ما يعني اننا مازلنا نحتاج إلى دعم المجتمع الدولي ، ايفاءً لتعهداته التي قطعها للعراق وآخرها تلك التي شهدها مؤتمر الكويت للدول المانحة الذي عقد في شهر شباط مطلع العام الحالي.
وإذا اردنا الانتقال إلى بقية اهداف التنمية المستدامة ، فسيكون الحديث طويلا ، فالهدف الثاني يكاد يرتبط بالهدف الاول ، وهو القضاء على الجوع وتحقيق الامن الغذائي ، وفيه ايضا حديث عن ضرورة تأمين متطلبات الغذاء للفرد العراقي من خلال تحسين الانتاجية وتوفير فرص عمل مناسبة للخريجين والشباب وتحسين الانتاج الغذائي .. ثم تأتي الاهداف الاخرى مكملةً لبعضها ، وهي تدعو إلى ضمان حياة صحية وتعزيز فرص التعليم الشامل للفقراء .. ولكن ينبغي ان تكون لنا وقفة اخرى امام الهدف السادس الذي يدعو إلى ضمان التوافر والإدارة المستدامة للمياه ، في ظل ظروف استثنائية يواجهها العراق في هذا المجال ، فمع ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه ، فان ذلك ادى بالتأكيد إلى تناقص كميات استهلاك الماء الصافي ، وارتفاع درجة الخطر الذي يهدد الاهوار باحتمال تعرضها للجفاف ، فضلا عن الخوف من عدم امكانية توفير حاجة الفرد من المياه خلال السنوات المقبلة ، مالم يتم العمل على وضع خطط واستراتيجيات لمواجهة هذه المشكلة شديدة الجسامة .. خلاصة القول ان العراق يواجه تحديات لا يستهان بها ، وإذا ما أراد السير في ركب المجتمع الدولي لتحقيق التنمية المستدامة بمنظارها الصحيح عليه ، ان يعمل على تنفيذ خططه واستراتيجياته التي تبناها ، وهذه تحتاج إلى ارادة سياسية موحدة ، ودعم دولي مرن ، ومشاركة حقيقية من القطاع الخاص والمجتمع المدني .
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة