عندما كنت صغيرة السن، كنت اشاهد مع عائلتي بعض الأفلام الأميركية التي تتحدث عن التمييز العنصري ضد السود، والتعامل معهم بفوقية من كل أصحاب البشرة البيضاء، وكنت مع نفسي احمد الله على اننا لسنا مثلهم نميز بين البشر على أساس اللون او العرق.
بعد ان كبرت عرفت ان الفرق بيننا وبينهم، انهم واضحون وصريحون مع أنفسهم أكثر، ونحن نعشق ان نستظل بزيف كذبة، نجدها أفضل من مرارة حقيقة، تقول اننا عنصريون أكثر منهم، وضد كل مختلف ليس فقط أصحاب البشرة السوداء، بل أصحاب الديانات الأخرى، والمذاهب الأخرى، والجنسيات الأخرى. لا بل نحن نتعامل بفوقية تصل حد ازدراء من أصيب بخلل فسيولوجي جعله يتحرك، او يتحدث بطريقة تختلف عما اعتدنا عليه احيانا
هم ادانوا البشاعة التي التقطوها بكتب تاريخهم، ونحن مصرون على تقديس التاريخ وكأنه قرآن، لا يجرؤ أحد منا على الاعتذار عما تسبب به من سبقنا من الأجيال، للآخر. وللإنصاف، هناك من قدم اعتذاره لكن.. على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، ولم يتعد حدوده.
قبل مدة كتب أحد الأصدقاء منشورا عن أحد أبناء البصرة الاكفاء والذي كان يحمل شهادة الدكتوراه، وكيف تعرض الى اهانات مقصودة وغير مقصودة بسبب لون بشرته السوداء، ونشر هذا الحديث عنه بعد ان وافاه الاجل، والله وحده يعلم ما الذي كان يدور في رأسه قبل موته.
لم افهم معنى او غاية ان يتعامل أحدهم بهذه الصورة مع شخص ما، لا لسبب، الا لكونه اسود، فهل نجرؤ للاعتراض على خلق الله؟ وهل ارتبطت الاخلاقيات والعقل والمبادئ بلون البشرة؟ اذن، هل علينا ان لا نلوم اميركا ان تعاملت بفوقية وتعالٍ مع الشعوب العربية، خاصة وأنها ليست فقط شعوبا تغلب عليها صفة البشرة السمراء، بل اننا وبنحو عام اقل منهم شأنا، حسب ما يرون فينا، فهل نرفع لهم القبعات لمحاولاتهم السيطرة على بلداننا لمثل تلك الاسباب؟
العنصرية التي نعاني منها، امتدت الى تعاملنا مع الحيوانات، اذ ارتبط السحر والشر بالقط الأسود، والشؤم بطائر الغراب، مع ان القط الأسود من أجمل أنواع القطط وأكثرها تميزا، والغراب يعد من اذكى الحيوانات، وقد ارتبط اسمه بقصة قابيل وهابيل وكيف انه علمه دفن الموتى، وكذلك في قصة النبي نوح حيث بعث وجاء حاملا بغصن شجرة، فكان اول المبشرين بالوصول الى اليابسة.
العنصرية والتعصب آفة العصر التي ستأكل الأخضر باليابس معا، فها هي تزحف من الوطن العربي الى اوروبا، متمثلة بصعود الأحزاب اليمينية في أكثر من انتخابات جرت بأكثر من دولة أوروبية.
العنصرية دليل ضعف وجبن، ولم تكن يوما دليلا على محبة فائضة للعرق او الدين او اللون، هي نتاج تفكير متخلف ونظرة ضيقة لما هو ابعد من انفنا، الاختلاف يعني التميز، ولا يمكن للكرة الأرضية ان تصطبغ ذات يوم بلون واحد او تحتضن عرقا واحدا او ديانة واحدة.علينا ان نعي ذلك ونحبه، كي نستطيع ان نتعايش مع بعضنا البعض بود وسلام، كلنا من دون استثناء.
أحلام يوسف
العنصرية آفة العصر
التعليقات مغلقة