عن حق الإنسان في الهيمنة

صدر حديثًا في سلسلة «ترجمان» عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب «عن حق الإنسان في الهيمنة»، وهو ترجمة محمود محمد الحرثاني لكتاب نيكولا بيروجيني ونيف غوردن The Human Right To Dominate. لا تنحصر قضية هذا الكتاب المركزية في وجود خطاب حقوق الإنسان في المنطقة أو عدم وجوده، إنما تعالج كيفية توثيق الحكومات والشعوب انتهاكات حقوق الإنسان، وكيفية نبذها هذه الانتهاكات، وطريقة تجييشها الحقوق في سياقات العنف السياسي والهيمنة والإمبريالية الجديدة والاستعمار الجديد.
يحاول الكتاب (320 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) معالجة هذه المسألة بتحليل الأنموذج الإسرائيلي الذي يصوّره مؤيدوه بأنه الديمقراطية «الوحيدة» في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن كثرًا انتقدوا هذا التوصيف، فإن ما هو حديث وجديد نسبيًا هو أن إسرائيل تحاول الحفاظ على وضعها الدولي باعتبارها ديمقراطية ليبرالية، من خلال تطويع خطاب حقوق الإنسان، على الرغم من سجلها المشين في انتهاك هذه الحقوق.
في مقدمة الكتاب، عن «حق الإنسان» في الهيمنة، يتناول بيروجيني وغوردن ضروب تطويع حقوق الإنسان، ومسألة مناهضة الأنموذج الهيدروليكي لحقوق الإنسان، وحقوق الإنسان والدولة. وفي الفصل الأول، تناقضات حقوق الإنسان، لمحة تاريخية عن حقوق الإنسان في إسرائيل، وتبيان كيف أن حقوق الإنسان عميقة الارتهان للدولة؛ وتوصيف للصلة بين تأسيس النظام الدولي لحقوق الإنسان وإنشاء دولة إسرائيل، حيث يُبيّن المؤلفان أن الحلفاء نظروا إلى قيام إسرائيل باعتبارها وجهًا من أوجه تعويض حقوق إنسانية بسبب جرائم مروعة تعرض لها اليهود في أوروبا. يعرّج المؤلفان على محاكمة آيخمان لتوضيح كيف أن ما يُسمى خطاب حقوق الإنسان العالمي خضع للتأميم في إسرائيل، وكيف أن حقوق الإنسان المتأثرة بالتطلع إلى العالمية لم تعد إلى الظهور في إسرائيل – فلسطين إلا بعد اندلاع الانتفاضة الأولى (1987).
أما في الفصل الثاني، تهديد حقوق الإنسان، فيوضحان كيف بدأ النظر إلى حركة حقوق الإنسان بوصفها تهديدًا في إسرائيل، مع توصيف ردة الفعل الرسمية على هذا التهديد، ثم يشرحان كيف بدأ الفاعلون الإسرائيليون المحافظون تأطير منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الليبرالية باعتبارها تهديدًا للأمن القومي، ليس من أجل رفض حقوق الإنسان لمجرد الرفض، لكن من أجل مواجهة محاولات المنظمات الليبرالية التخفيف من عنف الدولة والحد منه، ومن أجل إضفاء الشرعية في النهاية على الحرب العسكرية الإسرائيلية.
في الفصل الثالث، حق الإنسان في القتل، يصف بيروجيني وغوردن التقارب بين الجيش الإسرائيلي والمسؤولين الحكوميين ومراكز البحوث الأمنية من جهة، ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الليبرالية من جهة أخرى. وبالتركيز على الحملات العسكرية التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة، يبيّنان كيف تستخدم إسرائيل القانون الدولي الإنساني لشرعنة قتل المدنيين الفلسطينيين وتبريره، ثم يوضحان أن منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الليبرالية تتبنّى القانون الدولي على نحو يُرَشد استخدام العنف القاتل ضد الفلسطينيين.
أما في الفصل الرابع، حق الإنسان في أن يستعمر، فيصفان ظهور منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الاستيطانية، وكيف أنها تستخدم خطاب حقوق الإنسان لتعزيز السلب الاستعماري، سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة أم في إسرائيل. وهنا يظهران كيف يتم ذلك الشكل من أشكال «حركة حقوق الإنسان» في فضاء سياسي وقانوني واستراتيجي من التقارب مع منظمات غير حكومية ليبرالية، تدعم توفير حقوق الإنسان للفلسطينيين.
وفي الخاتمة، ماذا بقي من حقوق الإنسان؟ يتأمل المؤلفان في ما إذا كانت حقوق الإنسان قابلة بعد للاستخدام على نحو يناهض الهيمنة بعد أن طُوّعت لتعزيز هذه الهيمنة. وبعيدًا من رفض حقوق الإنسان الإمكانات السياسية الكامنة فيها لتصحيح المظالم الاجتماعية، يريان أن حقوق الإنسان يمكن أن تكون أداة فاعلة لتعزيز العدالة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة