أنا وأنت وإبداع الحقيقة للحياة

أحلام يوسف

في الجزء الأول من كتاب «قصة حضارة» يقدم الفيلسوف، والمؤرخ والكاتب الأميركي وول وايريل ديورانت للقارئ تحليله ورؤيته لبداية نشأة الفنون، من خلال عدة نظريات لفلاسفة وباحثين، حيث خلص الى نظرة خاصة به، ذكر خلالها بأن العزف الموسيقي على الآلات نشأ عن الرقص، مثلما نشأت المسرحية، ويضيف: العزف الموسيقي -فيما يبدو- نشأ عن رغبة الإنسان في توقيع الرقص، توقيعاً له فواصل تحدده، وتصاحبه أصوات تقويه، وكانت آلات العزف محدودة المدى والأداء، ولكنها من حيث الأنواع لا تكاد تقع تحت الحصر، صنعها من قرون الحيوانات وجلودها وأصدافها وعاجها، ومن النحاس والخيزران والخشب. ثم زخرف الإنسان هذه الآلات بالألوان والنقوش الدقيقة، ونشأ بين القبائل منشدون محترفون، كما نشأ بينهم الراقصون المحترفون.
ويمكن لنا ان نتخيل الحالة، فلو اتينا الى ذكر رقصة الهنود الحمر والتي غالبا ما ترتكز على الضرب بالقدمين على الأرض، بغض النظر عن أصول وغايات تلك الرقصة، لكن من خلال إيقاع الضرب فلابد لنا ان نرسم سلما موسيقيا متخيلا، ولحنا معينا، يواكب ويوازي الحركة.
الفن لم يكن مجرد أداة ترفيهية، بل أداة تعبيرية لعدد من جوانب الحياة، لا بل يدخل بتفاصيل أخرى، بعيدة عن كل ما هو متعارف عن الفنون، فمنا من يطلق صفة الفن على أسلوب شخص ما بالإقناع، او ربما يقع الوصف على طريقة التملص من بعض المواقف، فالفن اذن من رؤية البعض أسلوبا، فمثلما هو أسلوب كتابة، او تلحين، فهو أسلوب تعامل او بمعنى ادق سلوكيات.
لكن ومن بين كل الفنون الجميلة التي تنعش الروح وتغذيها هناك فن الحوار وفن الحديث، الذي لا يجيده العديد منا، ويتعامل مع الحديث والتحاور على انه طريقة لإيصال فكرة، لكن، هل يعلم أصحاب هذا المنطق ان السبيل لإيصال تلك الفكرة بصورتها السليمة والصحيحة يتطلب فنا لرسم الطريق اليها، كي تسري بيسر وعذوبة الى اسماع الاخر، وبالتالي فحتى ان كانت عتبا او لوما، يتقبلها الطرف الاخر برحابة صدر.
الفن تكمن عظمته بسهله الممتنع، فما يميز الفنان قدرته على إيصال فنه لأعماق الجمهور بطريقة سلسة، قد يصيبه الإرهاق والاجهاد، لكن الثمن جمهوره السعيد بما استطاع ان يقدمه لهم، وهنا يجمع بين حبه لفنه واحترامه لجمهوره وحب الأخير واحترامه له، وهذا اقصى ما يتمناه كل فنان على وجه البسيطة.
كلنا نبحث عن ارض خصبة للحرية، لكن الفن يحتاج تلك المساحة اكثر، فالفن ابداع، والابداع يؤسس على الحرية، حرية الفكرة، وحرية طرحها وادائها.
ويعد الفن وسيلة لتحرير النفس من الأنا، فالحفاظ على التواصل بيننا وبين من حولنا، والتراحم فيما بيننا يحتاج الى فن يمتزج مع الذكاء.
كثيرا ما يطرح سؤال عن أهمية الفنون بأشكالها المتعارف عليها، وهنا لابد لنا ان نقف عند السينما والدراما المصرية، اذ أصبحت حاراتها واماكنها السياحية محط جذب للجمهور العربي كافة، من خلال تلك الاعمال التي يشير فيها المؤلف بقصد او من غير قصد، الى جماليات تلك الأماكن، هناك اعمال استطاعت ان تؤثر بالمشاهد، الى درجة كبيرة، حتى بات البعض منا يستعين بذاكرته كي يقتبس حوارا او ردّا ذكر على لسان ممثل في بعض الاعمال واخص بالذكر هنا اعمال الكاتب والاديب أسامة أنور عكاشة، اذ حملت اعماله أفكارا وحوارات عميقة، وفلسفية.
الفن، انا وانت، الفن فكرة يمكن لها ان تنشئ جيلا وتهدم جيلا، حسب طبيعتها، وطريقة طرحها، لذا فكلنا نحتاج سبر اغوار الفنون، بكل تفاصيلها وتنوعاتها، كي نعرف سبيل الحياة الحقيقي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة