مستقبل القاعدة في اليمن الذي تمزّقه الحرب

جوناثان فنتون-هارفي

في 18 أيلول/سبتمبر الجاري، استأنف التحالف الذي تقوده السعودية، عبر تركيز جهوده العسكرية على الحديدة، هجومه على المدينة في إطار محاولته القضاء على المتمردين الحوثيين في اليمن. غير أن التدخل الذي يخوضه التحالف منذ ثلاث سنوات لم يكن عقيماً وحسب، فضلاً عن تسببه بسقوط ضحايا في صفوف المدنيين، بل إن تركيزه الطاغي على الحوثيين منحَ أيضاً تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مجالاً للتوسّع.
استولى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو الفرع الأقوى لتنظيم القاعدة، على جزء كبير من الأراضي الجنوبية في أعقاب الثورة اليمنية في العام 2011. ثم نما وتوسّع من جديد بعد انطلاق الحملة العسكرية بقيادة السعودية ضد الحوثيين في آذار/مارس 2015، وبلغ أوج قوته في وقت لاحق من ذلك العام إثر السيطرة على المكلا، خامس أكبر مدينة في اليمن، في أيلول/سبتمبر. وعلى الرغم من الحملة التي يشنّها التحالف الذي تقوده السعودية، بدعمٍ أميركي، على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ أواخر العام 2016، والتي أدّت إلى انسحاب التنظيم من المكلا، إلا أنه ما يزال يحتفظ بموطئ قدم في اليمن، سيما بفضل تركيز التحالف على الحوثيين في نحو أساسي، واستعداده لاستخدام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حليفاً ضدّهم.
لقد أقرّ القادة العسكريون الإماراتيون بأن قواتهم استوعبت، في بعض الحالات، مقاتلين من تنظيم القاعدة، ربما بهدف تعزيز حملتهم ضد الحوثيين، فيما أشاروا أيضاً إلى أن مقاتلي القاعدة مستعدّون للتعاون مع التحالف.
يتلقى أبو العباس، القائد العسكري لميليشيا سلفية في تعز، والمدرَج على قائمة الإرهاب الأميركية على خلفية روابطه مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، أموالاً من التحالف، على وفق ما يقول معاونه ومقاتلون معه.
أضف إلى ذلك أن المزاعم الإماراتية عن حملة ناجحة ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، مضلِّلة على الأرجح، نظراً إلى أن المسؤولين الإماراتيين زعموا زوراً، في آب/أغسطس 2018، أنه لم يتبقَّ في اليمن سوى مئتَي مقاتل تابعين لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب – وذلك خلافاً لتقديرات الحكومة اليمنية التي أشارت إلى جود 6000 إلى 7000 مقاتل. لا بل إن التنظيم يواصل هجماته في اليمن، منها اعتداء استهدف، في 28 آب/أغسطس الماضي، نقطة تفتيش عسكرية في محافظة أبين، ما أسفر عن مقتل خمسة جنود يمنيين، ويُشكّل التنظيم تهديداً محدقاً بمحافظات عدن ولحج وإب وحضرموت جنوب البلاد.
علاوةً على ذلك، شنّت الإمارات، في حزيران/يونيو 2018، عملية عسكرية للسيطرة على الحديدة من قبضة الحوثيين، ولا يبدو أن المعركة ستنتهي قريباً، على وفق ما يُظهره تجدّد اندفاعة التحالف للسيطرة على المدينة. على الرغم من أن وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش زعمَ أن قوات بلاده ستواصل أيضاً استهداف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، إلا أن تأكيده بأن الحوثيين يبقون العائق الأكبر أمام التوصل إلى حل سياسي في اليمن، يؤشّر إلى أن التحالف سيستمر في إعطاء الأولوية لاستهداف الحوثيين – أولاً في الحديدة، ثم على الأرجح عبر خوض معركة طويلة لاستعادة السيطرة على صنعاء.
في الوقت الراهن، يركّز تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بصورة أكبر على الأهداف الداخلية، وتعود أسباب نجاحه إلى إنشاء شبكات مالية، وتكييف استراتيجيته بهدف استقطاب اليمنيين المحرومين، إضافة إلى التعاون مع الفصائل القبلية المحلية. ففي حين أن التنظيم ما يزال يطبّق أيديولوجية القاعدة السلفية المتشددة، بما في ذلك فرض قانون جزائي إسلامي في محافظة أبين، وحظر متقطّع على مادّة القات المخدِّرة التي تلقى رواجاً، إلا أنه غالباً ما عمد إلى إظهار نفسه بصورة معتدلة بغية كسب ثقة اليمنيين ودعمهم.
يكشف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن رغبة في تحقيق الاستقرار في المناطق المفقَرة عبر تأمين الخدمات الأساسية منها المياه والكهرباء والمحروقات، فيما يبسط الأمن ويؤمّن شكلاً من أشكال الحوكمة.
تستحوذ هذه المشاريع على الحيّز الأكبر عبر الحسابات التابعة للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي، بالمقارنة مع المضمون الآخر مثل توصيف العقوبات التي تُنفَّذ، والتي وردت الإشارة إليها في ثلاثة في المئة فقط من المنشورات. كذلك روّج التنظيم سرديةً تدّعي أن الحوثيين والدولة اليمنية المدعومة من السعودية يتحمّلون مسؤولية إذلال المدنيين وبؤسهم والظلم اللاحق بهم. وهذا يُشكّل عامل استقطاب لليمنيين الذين تضررت أرزاقهم، كما يدفع بهم إلى تحويل انتباههم بعيداً من صورة التنظيم المتطرفة العنيفة.
يرى بعض اليمنيين المهمّشين، سيما في المحافظات الداخلية، مثل أبين وشبوة، ذات الوصول المحدود إلى موارد الدولة – يرون إذاً في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب علاجاً لمعاناتهم، ما يُفسّر كيف اكتسب التنظيم دعماً وحتى تمكّنَ من استقطاب مجنّدين من الفصائل القبلية والسكان المحليين.
في العام 2010، كانت التقديرات تشير إلى أن التنظيم يضم بضع مئات العناصر فقط، بيد أن أعدادهم سجّلت ارتفاعاً كبيراً لتبلغ 4000 بحلول العام 2017 –و6000 إلى 7000 بحلول العام 2018. يمتلك تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حضوراً أقوى بالمقارنة مع المجموعات القتالية الأخرى مثل الدولة الإسلامية التي يُعتقَد أن عديد عناصرها يقتصر على بضع مئات فقط.
كما أن النفوذ المالي الذي يتمتع به التنظيم يُتيح له استغلال حالة انعدام الاستقرار في اليمن.
في العام 2015، أقدم التنظيم، على وفق ما أُفيد، على سرقة نحو مئة مليون دولار من فرع المصرف المركزي في المكلا. وقد استعمل هذه الأموال لتطبيق استراتيجية «روبن هود» من أجل الفوز بالدعم الشعبي، مثلاً عبر تسديد رواتب الأطباء وترميم الجسور والشوارع – ما دفع ببعض اليمنيين إلى التعبير عن دعمهم لوجود تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. ويستمر التنظيم أيضاً في كسب بعض الأموال عبر نهب مصارف صغيرة الحجم والإشراف على عمليات تهريب النفط على طول الخط الساحلي الشرقي في اليمن – والتي أفادت لسخرية القدر من الحظر الذي تفرضه السعودية على الحوثيين، والذي أتاح لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب أن يحتكر الوقود التي كانت تدرّ نحو مليونَي دولار أميركي في اليوم، وفقاً للتقديرات. هذا فضلاً عن ملايين الدولارات التي يُعتقَد أن التنظيم يجنيها من الفديات التي يطلبها للإفراج عن المخطوفين في عمليات تستهدف عادةً المواطنين الأجانب الذين يجني التنظيم، في الأغلب، مبالغ طائلة لقاء إعادتهم إلى ذويهم. على سبيل المثال، في 2012-2013، بذلت قطر وسلطنة عمان جهود وساطة لتسديد مبالغ وصلت قيمتها إلى 20.4 مليون دولار للإفراج عن أربعة مخطوفين أوروبيين.
كذلك أفاد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من توطيد روابطه مع القبائل المحلية التي تُعارض أيضاً الحوثيين، وتسعى إلى الحصول على الحماية من قبل التنظيم. خلال الحرب، أقام التنظيم تحالفات مع قبائل مثل العوالق في شبوة والذهب في البيضاء، والتي يُزعَم أنها ساعدت على التخطيط للعمليات مقابل ضمان أمنها. وقد تعزّز ذلك من خلال الجهود التكتيكية التي بذلها التنظيم لبناء أواصر علاقات مع القبائل، إما عن طريق الزواج أو التجنيد، فيما ترك لهم نسبياً حرية الاستمرار في حكم مناطقهم كوكلاء عنه. ناهيك عن أن شنّ هجمات متعددة ضد الحوثيين اعتباراً من العام 2014، مثل الاعتداءات المتكررة على تعز، ساهم في اكتساب التنظيم شعبية في أوساط هذه الفصائل القبلية. والسبب وراء ذلك ليس فقط أنه يُنظَر إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بأنه مقاومة قابلة للحياة في مواجهة الحوثيين – الذي يرى فيهم السكان المحليون، سيما في وسط اليمن، تهديداً أمنياً خطيراً – إنما أيضاً أن التنظيم يولّد انطباعاً بأنه يؤمّن دفاعاً مذهبياً في مواجهة الحوثيين الشيعة الزيديين وحلفائهم المحليين.
بغية احتواء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، عمدت الإمارات، على وفق ما أُفيد، إلى تدريب عشرات آلاف الجنود اليمنيين في إطار حملة برية ضد التنظيم، وهي تنسب لنفسها الفضل في طرده من المكلا.
على الرغم من أن هذه الجهود سدّدت ضربةً لبعض روابط التنظيم المالية التي كانت تعتمد على السيطرة الاستراتيجية على الموانئ والمراكز المدنية، إلا أنه يبدو هناك غلواً في تصوير حجم نجاح الإمارات. فقد أشار تقصٍّ أجرته وكالة «أسوشييتد برس» في آب/أغسطس 2018، إلى أنه بدلاً من إلحاق الهزيمة بمقاتلي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، عمد البعض في التحالف الذي تقوده السعودية إلى إبرام صفقات مع التنظيم، «فدفعوا أموالاً (للمقاتلين) كي يغادروا المدن والبلدات الأساسية، وسمحوا لآخرين بالانسحاب مع أسلحتهم ومعدّاتهم ورزمٍ من الأموال المنهوبة». حتى في المكلا، حصل مقاتلو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على ملاذ آمن، وكل ما في الأمر أنهم انتقلوا للتمركز في مكان آخر. في حين أن هذه الضغوط أرغمت التنظيم على التراجع أكثر نحو الداخل في محافظات حضرموت والبيضاء وأبين، إلا أنه ما يزال يتمتع بحرية العمل والتحرك، ما يؤشّر إلى أن التحالف غير مصمّم على القضاء على هؤلاء المقاتلين في حين يركّز في شكل أساسي على طرد الحوثيين.
فيما تستمر الدولة اليمنية في التفكّك، وتركّز الفصائل المتناحرة على الحل العسكري بدلاً من الحل الديبلوماسي، غالب الظن أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب سيواصل توسّعه واستغلاله للإحباطات اليمنية التي تزداد سوءاً بسبب الحظر الذي يفرضه التحالف وحملة القصف التي ألحقت أضراراً بالبنى التحتية للدولة وساهمت في الأزمة الإنسانية المروّعة التي تتخبط فيها البلاد. في حال ظلّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يُقدِّم نفسه في صورة الفريق الذي يسهم في استتباب الوضع، وإذا استمر السكان المحليون في النظر إلى الحوثيين بأنهم يشكّلون تهديداً محدقاً بهم، فسوف تكون للتنظيم الإرهابي قاعدة دعم محتمل أكبر حجماً يستند إليها للعودة من جديد إلى الساحة.

جوناثان فنتون-هارفي باحث وصحافي يركّز على النزاعات والشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
صدى

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة