(1-2)
وجدان حسين العموري
عَرفَ العراقيون تشريعات الأحزاب، منذ العام ١٩٠٩حيثُ صدر قانون الجمعيات، إبّانَ حكم الدولة العثمانية الذي البسَ الأحزاب ثوبَ المواطنة َ،بدرجاتٍ مقبولةٍ تتناسبُ مع حجمِ التحديات وانحسار وتيرةِ الوعي الجماهيري وبدائية الفهم ودرجة الثقافة واقتراب الشارع منها، وينطبق ذلك حتى على من اٌعتٌبِروا من النخبِ السياسية، فلا يٌسرٍ للحصول على الكتب والمطبوعات، ولا أحزاب تساهم في نشر الفكر ففي العام١٩٢٢شرَّعت الحكومة العراقية الفتية قانون (تأليف الجمعيات)،الذي عُدِلَ لمرتين، جاءت الأولى في ١٩٢٩ والثانية في العام ١٩٥٤،إثرصدورماسُمِيَّ بمرسوم الجمعيات رقم ١٩،وفي العام١٩٦٠صدربحس ٍوطني وإنساني ،قانون الجمعيات رقم١لسنة١٩٦٠،شُرِعَ بعد ذلك قانون الأحزاب السياسية رقم٣٠ لسنة أ١٩٩وأُلحِقَ به قانو الجمعيات رقم ٣٠لسنة٢٠٠٠،وبعد العام٢٠٠٣أصدرت سلطة الائتلاف حينها قانون الأحزاب والهيئات السياسية رقم٩٦في ١٥حزيران ٢٠٠٤،مدونةً فيه رؤاها السياسية الرأسمالية ،لأحزاب تعمل في المجتمعات البدائية، لا في عصر الصرخات الثورية وفي بلد عانى ٣٥ عاما من حكم الحزب الواحد وتسلط وهيمنة الفكر الأوحد ولم تتحسب بتشريعه لِفَلَتان الانضباط المجتمعي والفهم الخاطئ للمفاهيم الديمقراطية والتعددية الفكرية الحزبية، فالأحزاب وأهدافها وآليات اشتغالها والتبشير السليم لقيمها ومبادئها ومطابقة ذلك كله للمعايير السائدة الصحيحة لتمويلها وتكوينها وصياغة برامجها، تشكل مرتكزا مهما من مرتكزات الديمقراطية في العراق وفي باقي بقاع المعمورة، وبقدر تمسكها بالثوابت الوطنية والأممية الإنسانية وبقدر احترامها للتقاليد الحزبية العريقة وأنظمتها الداخلية وبقدر استلالها لمبادئها وآليات إنفاذها على أرض الواقع، استلالا محملا بهموم الناس، بقدر هذا كله، يمكن دراسة موافقتها لمصالح الشعب و مريديها ومٌديمِي صيرورتها، و دراسة مطابقتها للمعايير الأممية لتكوين الأحزاب وآليات الترويج لمناهجها، وبالتالي لمخرجاتها الملاصقة لنبض الجمهور المنعكِس ايجابيا في علاقته بقيادات الحزب أو التنظيم السياسي وقواعدهما، والجمهور هو الذي يراقب النتائج والمخرجات المتحصلة على أرض الواقع، النتائج والمخرجات ،تلك التي تتحكم حتما، عاجلا أم آجلا بديمومة الحزب أو التنظيم السياسي، وصحة علاقته وتأثيره في مجرى أحداث المكان الذي يشغله، ونعلم جميعا أن المشرع العراقي(مجلس النواب) قد أصدر في٢٨ آب٢٠١٥قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية رقم ٣٦ لسنة ٢٠١٥،وصادق عليه رئيس الجمهورية بتأريخ١٧ أيلول٢٠١٥،لِيُنشَر في جريدة الوقائع العراقية رقم٤٣٨٣بتأريخ١٢تشرين أول٢٠١٥،وليدخل حيّز النفاذ بعد(٦٠)يومآ من تأريخ نشره على وفق المادة( ٦١)،ولا يخفى ابدآ أن هذا القانون قد ساهمت التظاهرات العارمة المُندَلِعة بداية شهر آب ٢٠١٥،الى حد كبير في تعجيل إدراجه على متن جدول اعمال مجلس النواب العراقي ،بعد تجميده منذ العام ٢٠١١ حيث كٌتِبتْ حروفه المتواضعة الأولى بعد أن غٌيِّب وعٌطِّل َ،لسنوات طويلة، وأُخضِعَت عملية قراءته وإقراره لمساومات ومحاصصات تشريعية مقيته لم يدخل المواطن العراقي ومصالحه طرفا فيها، وفي قراءتي له وجدت انه قانون ينطوي على معايير أممية انسانية معتبرة( الى حد ما)،تعبر عن حرفيه عالية في الكتابة التشريعية من ناحيتي الشكل والموضوع، جاء في المادة(١)ان هذا القانون يسري على الأحزاب والتنظيمات السياسية في حدود جمهورية العراق، وهو أمر طبيعي لا جديد فيه، وعرفت المادة(٢)ف١منهاالحزب أو التنظيم السياسي بأنه(مجموعه من المواطنين منظَّمةٍ تحت أي مسمى على أساس مبادئ وأهداف ورؤى مشتركه تسعى للوصول للسلطة، لتحقيق أهدافها بطرائق ديمقراطية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين النافذة ورغم أن هذا التعريف لا يتقاطع مع معايير التعريفات الأممية للأحزاب، الا أنني اعتقد أن عيبا مبدئيا واضحا قد اعتراه، فليس جميع الأحزاب هي بالضرورة سعى للوصول للسلطة، فهناك من يؤسس حزبه أو تنظيمه السياسي على أساساتٍ مدنيه خالصه ، دون ان تكون السلطة مراده ُوهناك من يرغب في ممارسة دورا فكريا وثقافيا فقط، بعيدا عن خيبات السلطة وصداماتها، وقد يَرُدْ البعض بمثالية قولي هذا، لأجيبه بوجوب أن يكون التعريف شاملا لكل ما من شأنه أن يتواجد في أرض الواقع ،لا أن يمارس نقلا حرفيا لنصوص أوردتها قوانين سابقه في دولٍ أخرى، وفي ذات المادة ف٢يشكل القانون محكمة للفصل في ما قد يثور من إشكاليات خلال ممارسة الحزب أو التنظيم السياسي لعملهما، والجميل أن القانون الجديد قد أحال هذا الأمر للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئتها القضائية المشكلة بموجب القانون رقم١١لسنة٢٠٠٧بعد أن كانت المسودة تشترط تقديمه لرئيس محكمة القضاء الاداري ذات الصفة التنفيذية ،والملحقة بوزارة العدل حينها وهي الغارقة في المحاصصات السياسية الانتخابية، كما شكل القانون دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية وألحقها بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبالذات في مجلس المفوضين، وحافظ القانون على روح التعددية الحزبية الفكرية السياسية الدستورية ووفر لها كامل الدعم والحماية، من خلال ما ورد في المادة(ضمان حرية المواطنين في تأسيس الأحزاب أو التنظيمات السياسية والانضمام اليها أو الانسحاب منها)في ذات الوقت الذي حرَّم به القانون الانتماء لأكثر من حزب في آن واحد(م٤ف٤)،مشددا على حرية الفرد في الانتماء السياسي والفكري، المادة(٦)ألزمت الحزب أو التنظيم السياسي باختيار قياداته ،بالوسائل الديمقراطية(الانتخابات)قاطعةً الطريق بوجه الوسائل الأُخرى ذات التوجه الانفرادي، ملزمة الجميع من العاملين في الساحة الحزبية، بضرورة تعديل أنظمتها الداخلية المشتغلة بغير هذه الآلية، والمشكلة هنا أن القانون لم يشر لآلية الاشراف والرقابة القانونية على انتخاب قيادات الحزب أو التنظيم السياسي ولم يشر أيضا لآليات الطعن والمصادقة على نتائج انتخابات الحزب أو التنظيم السياسي ،ومنع القانون في مكان آخر، تأسيس الأحزاب ذات التوجهات المسلحة، ومنع التوجهات المتعارضة مع الدستور.