د. سعد الصالحي
كان كردياً، يجول بعربته الجميلة بهدوء في درابين راغبة خاتون، محملة بجرتي خشب مليئتين بالعمبة، حارة وباردة، وسلة بيض مسلوق، وكَـوشر طماطة تلمع خدودها كفتاةٍ بعمر القند الإيراني .
(صاغ عمبة صاغ)، ونتراكض فرادى، إذ كانت لفات عمبته من الدرجة الأولى، قد تتيسر بخمس فلوس لربع صمونةٍ مغمسة بذلك السائل الأسطوري بارداً أو حاراً .. فيلتقط اللسان لطعات اللذةِ من كوة تفتح على جنة الأطفال .. وكذلك لم أكن، إذ كنتُ أدفع الدرهم للفة كاملة بصمونة قد شقت، وامتلآت بيضة مسلوقة شرائحها، وقد ضمخت بالعمبة الباردة وتلألأت بأقراص الطماطة، هكذا أظل أنهش منها، وأنا أمشي خلفه، وهو يصدح ملء فيه الكردي (صاغ عمبة صاغ)، يجول درابين راس الكم، خلف صيدلية الزهراوي وحتى دكان عمو حافظ على شفا شارع ماجد محمد أمين .
وفي حيز دكان خال كان يركن العربة الأسطورية لصق دارنا، فأجعل وأنا أمر حذوها صباحاً، أطرق الكبنك لأسعد بصدىً مكتومٍ يؤكد أن العربانة في مأمنها حتى يحل عصر اليوم فيصدح الصوت ثانية (صاغ عمبة صاغ)، ويتراكض أطفال بخمس فلوس، وأطفال بعشرين فلساً، وقليل غيرهم بدرهم للفةٍ ملكية.
وأضرمت الحربُ، ففقدت دار أهلي الى دار ليست براغبة خاتون، كنتُ قد هجعتُ الكاظمية بشقة لا تشبه أن لصقها عربانة عمبة. ورحتُ أطوف درابين الخاتون بين الإجازة والأخرى، لأتفقد استشهاد الأصدقاء وفقد الآخرين .. وأعرج على دكان عربانة العمبة، فلا أجد الكبنك لأطرق على صدىً مكتوم .