رقيق ويحترم كبار السن
متابعة الصباح الجديد:
عاش البشر منذ قديم الزمان جنبًا إلى جنب مع الفيلة، تلك الكائنات المدهشة، وتشاركوا معها الكثير من الذكريات والتفاصيل، وربما يرجع ذلك للترابط بين حياة الإنسان والفيل؛ فكلاهما يستغرق وقتًا طويلًا حتى ينضج، إضافة إلى أن الفيل يعيش ضمن شبكة اجتماعية متكاملة لا يستطيع أن يفارقها، كما أنه برغم ضخامة حجمه يمتلك مشاعر رقيقة وحبًّا لا يوصف لأقربائه، ويحترم كبار السن في القطيع، ويحزن على فراق الموتى.
من المدهش إثبات الفيل في تجربة عملية قدرته على فهم إرشادات البشر الإيمائية من دون أن يخضع لترويض مسبق، فيمكنه أن يستجيب من خلال فطرته الغريزية لحركة من إصبع إنسان ترشده لمكان غذائه من دون تمرين.
وقد توصلت دراسة أُجريت في جامعة «سانت أندروز» البريطانية، خضع فيها 11 فيلًا أفريقيًّا للتجربة، من نوعية الفيلة البرية المستعملة في الرحلات والأسفار السياحية داخل أدغال زيمبابوي.
الفيلة تميزت عن الحيوانات المنزلية الأليفة مثل القطط والكلاب، التي لا تستجيب لحركات الإنسان وإيماءاته استجابةً فطريةً، فتحتاج إلى تدريب مكثف ووقت طويل من العيش المشترك مع مربيها حتى تتمكن من التجاوب مع أوامره الإيمائية، وقد أرجعت الدراسة السابق ذكرها هذه الميزة إلى أن نظام تفكير الفيلة أشبه بالطريقة التي ينتهجها البشر في التفكير. لتوطيد العلاقة بين البشر والفيلة.
وبحثت الدكتورة جويس بول، الخبيرة في سلوك الأفيال، أكثر من 40 عامًا، واستعملت بصحبة فريقها معدات تسجيل لالتقاط أصوات الأفيال، وكانت النتيجة إنتاج تطبيق يتيح ترجمة لغة الأفيال وفهمها، فهذه الحيوانات اللطيفة تمتلك لغة تتفاهم من خلالها حتى لو كانت غير مفهومة بالنسبة للبشر، ومنها مثلًا أن الفيل عندما يريد أن يقول مرحبًا فإنه يرفع خرطومه إلى الوراء، ومن ثم يدليه لأسفل مصدرًا نبرة صوت تتكامل مع هذه الحركة.
مجتمع الفيلة «الراقي»
من الداخل
ترجع أحد الأسباب التي تدعو البشر إلى حب الفيلة والاستئناس بها إلى أن الفيل أحد الحيوانات البرية القليلة التي تجمعها روابط اجتماعية قوية بالأصدقاء والعائلة، فيستطيع التعرف ليس فقط إلى أمه وأبنائه وإخوته، ولكن الأمر يصل إلى الجدات والعمات وأبناء العمومة وبناتهم، كما لوحظ عليه تشكيل صداقات خاصة مع الأفيال التي لا تربطهم به صلة قرابة.
وتنقسم قطعان الفيلة إلى وحدات صغيرة جدًا تتكون من ثلاث أو أربع فيلة تربطهم ببعض صلة قرابة وبصحبتها أبنائها، فيعيشون ويسافرون معًا معظم فترات حياتهم، وفي بعض الأحيان تندمج هذه القطعان مع قطعان أخرى، ولكن ذلك لا يُشتت المكون الأساسي للمجموعات الصغيرة المتمثل في العائلة، ولذلك إذا ما التقت مجموعة بمجموعة أخرى بينهما قرابة فإنهم يتبادلون التعبير عن التقدير والمودة.
ولأن الفيلة تعيش في مجتمع مُعرض للتغير باستمرار، فإن طرق الاتصال عن بعد ضرورية للحفاظ على العلاقات بين المجموعات الصغيرة، ولجذب الأصدقاء عندما يحين وقت التزاوج، ويعتقد الخبراء أن الفيلة تستغل عدة وسائل للتواصل بشكل يسمح لها بالتعبير عن مزاجها العاطفي، وحالتها النفسية، وشرح موقفها للأفيال المجاورة لتسهيل التعايش بينها.
وفي حال المسافات البعيدة، ففي الغالب يجري التواصل من خلال الموجات فوق الصوتية التي يمكن أن تنتقل عدة أميال، وتُستعمل في المقام الأول من جانب الإناث بغرض الإشارة للذكور أنها مستعدة للزواج، ومن الممكن أن تتواصل الأفيال في المسافات الطويلة بطريقة زلزالية، عن طريق ضرب الأرض بأقدامها، وأحيانًا تستعمل القطعان هذه الطريقة لتحديد أماكن الاجتماعات والعثور على بعضها البعض.
بالمقارنة بالعديد من الثدييات الأخرى، فإن التواصل اللفظي بين الفيلة منتشر انتشارًا لافتًا للنظر، فهي تستطيع صنع الضوضاء بالغرغرة الصادرة عن حناجرها، أو بالصوت العالي الآتي من خرطومها، ويكون ذلك بغرض التحذير من اقتراب الخطر، أو للإشارة إلى أن الفيل يستعد للهجوم.
لا تنتهي طرق التواصل بين الفيلة عند هذا الحد، فهي تبرع في نقل الكثير باستعمال لغة الجسد، فيمكنها أن تعبر عن المودة من خلال تعانق خراطيمها، ويحدث ذلك عادة بين الأقارب والأصدقاء الذين سافروا في قطيع واحد لفترة طويلة، إلى جانب أن أنثى الفيل تشير إلى قبولها الزوج المحتمل بفرك جسدها بجسده.
كما أن الموت لا يمر على الفيل مرور الكرام، فعندما يقترب أجل أحد أفراد القطيع، فإن الفيلة تتوقف عن الحركة، وتجلس للراحة بعض الوقت حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبعدها يبقون بضعة أيام يجتمعون بنحو شبه متكرر حول الجثة مبدين حزنهم عليه؛ بل وإذا مر قطيع مسافر على فيل ميت فإنهم يجتمعون حوله بضع دقائق حتى لو كان غريبًا بالنسبة لهم، ويلمسون جسمه بخراطيمهم من باب إظهار التوقير له.
أشهر فيل في التاريخ
هناك العديد من الفيلة شاركت في صنع الكثير من الأحداث على مر التاريخ بنحو جعل المؤرخين لا يستطيعون التغاضي عن ذكرها في صفحات كتبهم، ومن أشهرها:
الفيل «محمود».. أبّى أن يحطم الكعبة
سُجلت حادثة عام الفيل بوصفها أهم الحوادث التي وقعت في التاريخ، وورد ذكرها في القرآن الكريم، وترجع تفصيلاتها إلى محاولة أبرهة الحبشي حاكم اليمن تدمير الكعبة؛ لإجبار العرب وقريش على الذهاب إلى كنيسة القليس التي بناها في اليمن، لكنهم لم يهتموا بدعوته؛ بل ذهب أحدهم إلى هناك وأهان الكنيسة بأن تبول فيها؛ مما أشعل غضب أبرهة فخرج بجيش عظيم وبصحبته فيلة ضخمة، وعندما اقترب من مكة هرب أهلها إلى الجبال لخوفهم من أبرهة وجنوده، مما دفعه لسؤال عبد المطلب جد الرسول محمد «ص» عن سبب عدم دفاعهم عن الكعبة، فأخبره بأن لها ربًّا يحميها، وهنا جاء دور الفيلة عندما رفضت التقدم نحو الكعبة بقيادة الفيل محمود، بحسب ما تذكر بعض المصادر الإسلامية اسمه، وهو الفيل الذي ذاع صيته في السير وكتب التاريخ الإسلامية.
لا تخشى الفئران
ولا تحب الفول السوداني
يعتقد الكثير من الأشخاص ببعض الخرافات الشائعة عن الفيلة، والتي في الواقع ليس لها أساس من الصحة، ومنها تلك الخرافة التي روجها فيلم الرسوم المتحركة «دامبو» بـأن الفيلة تخاف من الفئران، ففي الفيلم كان هناك فأر اسمه «ثيموتي. كيو» يظهر ليثير ذعر فيلة السيرك، قبل أن يتصادق مع بطل الفيلم «دامبو»، وهو فيل خارق لديه القدرة على الطيران، لكن الصورة التي رسخها الفيلم في أذهان مشاهديه خاطئة تمامًا، فوفقًا لكريغ بروس الذي يعمل في جمعية علم الحيوان في لندن، لا يوجد دليل جاد يُثبت أن الفيلة تشعر بالخوف من الفئران.
وهناك أيضًا أسطورة أخرى نشأت نتيجة سماح حدائق الحيوان للزوار بإطعام الحيوانات، وهي أن الأفيال تحبذ أكل الفول السوداني، بينما في الحقيقة لا الفيلة الآسيوية ولا الأفريقية تأكل الفول السوداني في البرية، ولا يكون هذا غذاءها أيضًا عند أسرها، وبشكل محدد، يحتاج الفيل في المتوسط إلى نحو150 كيلوجرامًا من الطعام يوميًّا، وهذا ما يعني أن البقوليات الصغيرة لن تكون مؤثرة مقابل شهيته الكبيرة.
وآخر الخرافات الشائعة هي الاعتقاد بأن الفيل يشرب عن طريق خرطومه، فحقيقة الأمر أن حجمه الكبير يجعل من خفض رأسه إلى مستوى الماء عملًا يتطلب الكثير من الجهد، مما يجعله يستعمل خرطومه الذي هو عبارة عن أنف ممتد وشفة عليا، ليسحب به الماء ثم يرشه في فمه ويبتلعه.