هاني حبيب
لم يكن صحيحاً أن إدارة ترامب قد تراجعت عن الإعلان عن صفقة القرن، أو انها قررت تأجيل طرحها إلى وقت لاحق، كما جاء على ألسنة المبعوثين والمستشارين الأميركيين، كوشنر وغرينبلات، وبات من الواضح أن مثل هذه الأقوال، مجرد خداع لا أكثر، وما يؤكد ذلك، أن هذه الصفقة تجري على أرض الواقع من الناحية العملية مع الإعلان الأميركي عن القدس عاصمة للدولة العبرية، ثم محاولة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال إنهاء الدعم المالي الأميركي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وها هو مقترح إنشاء كونفدرالية فلسطينية ـ اردنية، حسبما أشار الرئيس عباس في أثناء اجتماعه مع مجموعة من قادة ونشطاء «حركة السلام الآن» الإسرائيلية مؤخراً، هذا المقترح الذي تقدمت به إدارة ترامب، لا يمكن فهمه إلاّ بوصفه إحدى أهم ركائز المخطط الأميركي ـ الإسرائيلي في إطار صفقة القرن التي يتم تنفيذها الآن، بصرف النظر عن مدى نجاحها أو فشلها، إلاّ أن هذا المقترح يؤكد استمرار الشراكة الإسرائيلية ـ الأميركية، في بذل كل جهد في استغلال التطورات الأخيرة في المنطقة إثر «الحريق العربي»، بهدف تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، وبلوغ هذا الجهد إلى محطة الكونفدرالية الأردنية ـ الفلسطينية، يشير إلى أن هناك إصرارا وعنادا، إذا لم يكن انفلاتا أميركيا ـ إسرائيليا، لتحقيق ما عجزت عنه الإدارات الأميركية ـ والإسرائيلية السابقة.
ويأتي هذا الاقتراح الأميركي، استجابة للرؤية الإسرائيلية كما نشرتها صحيفة «هآرتس» موضحة تفاصيل هذا المشروع، بحيث تصبح الضفة الغربية بدون القدس تحت الرعاية الأمنية الأردنية، في حين تقوم القوات المسلحة الأردنية بحماية الحدود، أي توفير الأمن والأمان لإسرائيل، في الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل ضم القدس والمستوطنات إليها، مع عودة الضفة إلى الأردن، بعد ضم المستوطنات، يبقى قطاع غزة، مستثنى من هذه الكونفدرالية، لكن مع جهود ترمي إلى إلحاقه بمصر، وهي عودة، نسبياً، إلى ما كان الأمر عليه قبل الرابع من حزيران 1967.
والمقترح بهذه الصيغة يلغي بنحو مباشر ومحدد، ما جاء في اتفاق أوسلو، من أن الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة واحدة، وهو ما جعل الرئيس الراحل ياسر عرفات، في إطار هذا الاتفاق، يضغط بنجاح من أن تكون المرحلة الأولى من الانسحاب الإسرائيلي، من قطاع غزة واريحا في الضفة الغربية تكريساً وتأكيداً على مبدأ وحدة مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.
مع بداية حديث إدارة ترامب بشأن صفقة القرن، أشارت إلى أن خطة «حل الدولتين» غير فاعلة، وأن لديها خطة أكثر فاعلية وإمكانية للتحقق الآن، ومع هذا الاقتراح بالحل الكونفدرالي، بات من الواضح أن هذا المخطط كان في ذهن وعقل المخطط الأميركي، الذي من شأنه أن ينسف كلاً من اتفاق أوسلو، وحل الدولتين، وفي ذات الوقت، يضع خارج أية مفاوضات، ملفي القدس وحق العودة، خارج الإطار والبحث.
وربما تعتقد إدارة ترامب، أن إزاحة الملفات الأساسية والجوهرية من ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، القدس وحق العودة، يفتح الباب واسعاً أمام المحطة التي تقترب من نهاية هذا الصراع، بقيام دولة كونفدرالية بين الأردن وفلسطين، وترى هذه الإدارة أن تجاوز هذه الملفات، يشكل ضغطاً على الجانبين، الفلسطيني والأردني، للتعاطي مع هذا المشروع، خاصة وأن كليهما، الأردن وفلسطين، يخضعان لظروف بالغة الصعوبة، وهنا يتوجب أن نتذكر الصعوبات الاقتصادية التي مر بها الأردن مؤخراً، وهي الصعوبات التي من شأنها أن تتزايد إثر قرار إنهاء الدعم المالي الأميركي للأونروا، حيث يعيش أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني في الأردن، بينما الوضع الفلسطيني لا يخفى على أحد، وبإمكاننا أن نشير في هذا السياق، إلى أن التخطيط لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية في إطار ما يسمى المباحثات حول التهدئة، لا بد من أن يخدم هذا المخطط.
هناك اجتماعات عربية ودولية لاحقة هذا الشهر، في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة، من هنا فإننا نعتقد أن القيادة الفلسطينية ستجد في هذه الاجتماعات فرصتها لتأكيد رفضها لهذه المخططات من ناحية، وتحميل المسؤولية السياسية والأخلاقية للعرب من ناحية والمجتمع الدولي من ناحية أخرى، على مخاطر صفقة القرن، وبحيث يظل الموقف الفلسطيني الرافض لها، مدعوماً عربياً ودولياً!
عن الأيام الفلسطينية
الكونفدرالية: جوهر وقلب «صفقة القرن»
التعليقات مغلقة