هاني دانيال
أسفرت الانتخابات العامة في السويد عن حصول التحالفين الرئيسين، وهما الائتلاف الحاكم يسار الوسط، ومنافسه الرئيس يمين الوسط) في عدد متساو من الأصوات (40%) من دون حصول أي منهما على الأغلبية التي تسمح له بتشكيل الحكومة، في الوقت الذي صعد فيه أسهم حزب «الديمقراطيون السويديون» القومي الذي يتخذ مواقف متطرفة تجاه الهجرة والمهاجرين، وحصد حوالى 18 % من الأصوات
إشكالية سياسية
بالرغم من انتعاش الأوضاع السياسية والاقتصادية في السويد، إلا ان هناك مخاوف عديدة جراء تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين، وخاصة في ما يتعلق بخدمات الأسرة والسكان والخدمات الصحية المتعددة المقدمة من الحكومة لمواطنيها، ومع استقبال السويد عدد كبير من طلبات اللجوء وصلت إلى 163 ألف طلب، ورغبة الحكومة في الميل نحو إدماج هؤلاء في المجتمع، بعيدا عن المعسكرات، إلا أن حزب «الديمقراطيون السويديون» قاد حملة كبيرة ضد اللاجئين والمهاجرين، مطالبا بترحيلهم، واستغل الانتخابات الأخيرة للهجوم على سياسات الحكومة، وزعم انتشار حالات اطلاق النار وخلق حالة عدائية داخل المجتمع السويدي وطبيعته الهادئة، بل قاد حملة للخروج من الاتحاد الأوروبي على غرار الخروج البريطاني.
وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة 84,4 في المئة، مقارنة بـ 83 في المئة عام 2014، فاز فيها «الاشتراكي الديموقراطي» بـ 28,4 في المئة من الأصوات، أي بتراجع 2,8 نقطة عن انتخابات 2014، وهي تعد أسوأ نتيجة يحققها منذ قرن.
وخلافاً للتوقعات لم يحرز حزب «الديمقراطيون السويديون» القومي إلا 18 % من الأصوات، محققا زيادة في نسبة حصد الأصوات مقارنة بنسبته في الانتخابات السابقة التي سجلت 12.9 %، بعد ان كانت التوقعات تتجه إلى أبعد من ذلك ووضعته في مقدمة الأحزاب التي يمكن أن تفوز بهذه الانتخابات لتشكل الحكومة، وسط انتقادات حادة طالت الائتلاف الحاكم (يسار الوسط، والذى أصبح في ورطة كبيرة نتيجة عدم قدرته على حسم الصراع لصالحه، والاضطرار إلى التنسيق مع الأحزاب الأخرى والدخول في تحالفات جديدة لنيل الثقة وتشكيل الحكومة، في الوقت الذي يرفض فيه بشكل كبير التعاون مع حزب «الديمقراطيون السويديون»، وهى الإشكالية نفسها التي وقع فيها الائتلاف المنافس (يمين الوسط)، ويرفض تماما التحالف مع «الديمقراطيون السويديون» لما له من مواقف متشددة قد تؤثر على سياسات التحالف مستقبلا.
ويتكون الائتلاف الراهن، الذي يرأسه رئيس الوزراء المنقضية مدة ولايته ستيفان لوفن، من حزبه الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر، ويدعمه في البرلمان حزب اليسار، في حين يتشكل ائتلاف يمين الوسط من أربعة أحزاب، حزب «المعتدلون»، حزب «الوسط»، وحزب «الليبراليون» وحزب «الديمقراطيون المسيحيون». وكان الائتلاف قد تشكل في عام 2004 لمواجهة عقود من هيمنة الديمقراطيين الاشتراكيين، ويعد الحزب الرئيس في الائتلاف هو حزب «المعتدلون»، ورشحوا من جانبهم أولف كرسترسون لرئاسة الوزراء.
وبالرغم من ذلك بادر جيمي أكيسون زعيم حزب «الديمقراطيون السويديون»، بإعلان انفتاحه واستعداده لإجراء محادثات مع جميع الأحزاب الأخرى، متحديا الجميع بتأكيده على إمكانية المنافسة مستقبلا والرغبة في زيادة مقاعد الحزب بالبرلمان، وإصراره على مواقفه المتشددة حيال اللاجئين والمهاجرين.
وتتجه الأحداث في السويد إلى سعي لوفن إلى تشكيل حكومة مشابهة للتي شُكّلت عام 2014، أي ائتلاف أقلية مع «الخضر»، والحصول على دعم غير رسمي من حزب «اليسار» الشيوعي السابق في البرلمان، ولكنها ستكون تحت مقصلة « الديمقراطيون السويديون « الذي سيسعى إلى إطاحتها عند أول فرصة، كما أنه مستعد لعرقلة كل محاولة لتمرير قوانين لا يوافق عليها، ولا بديل عن تقديم تنازلات، في مقابل الحصول على دعم من الحزب المتطرف، ويري مراقبون أن المفاوضات المطولة تستمر في مسعى لتشكيل حكومة، وقد يكون أحد الخيارات المطروحة لحزب من الأحزاب هو تغيير الائتلاف.
تنامى اليمين في أوروبا
وكانت استطلاعات الرأي توقعت حصول الحزب الاشتراكي الديمقراطي على أعلى الأصوات، فيما سجل الديمقراطيون السويديون الحزب المتطرف المركز الثاني بحسب النتائج الأولية، ليصبح ثاني أكبر حزب، وهي ما كانت تخشاه أوروبا ككل، وليس السويد فحسب، حيث كانت الأمور تتجه نحو تحول واحدة من أكثر دول أوروبا ليبرالية إلى دولة يمينية، وسط مخاوف بشأن الهجرة.
ونتيجة لتنامي أزمة الهجرة واللاجئين، وانتقال العدوى من بريطانيا إلى دول أخرى، حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة مكاسب مذهلة في جميع أنحاء أوروبا في السنوات الأخيرة، وسط تزايد القلق بشأن الهوية الوطنية، و وآثار العولمة في أعقاب الصراع في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتتجه موجة تنامي اليمين المتطرف في أوروبا نحو مزيد من التوسع، ففي إيطاليا في وقت سابق من العام الجاري تم تشكيل حكومة ائتلافية جديدة يديرها حزب حركة «خمس نجوم» المعارض وحزب «الرابطة» اليميني، كذلك في عام 2017 فاز حزب «البديل من أجل ألمانيا» 12.6 في المائة في عام 2015، وأخيرا الدنمارك ودول أوروبية عديدة وضعت ملف مكافحة الهجرة ووقف موجة اللاجئين على صدارة أولويات حكوماتها.
الاتحاد الأوروبي يحذر
خشية تحول أوروبا من الليبرالية إلى التطرف، هدد البرلمان الاوروبي بفرض عقوبات سياسية غير مسبوقة على حكومة فكتور اوربان اليمنية في المجر لأنها تشكل «تهديدا منهجيا» على القيم المؤسسة للاتحاد الاوروبي، حيث تتخذ حكومة المجر سياسات متشددة تجاه اللاجئين والمهاجرين،
ومع اقتراب انتخاب برلمان جديد لأوروبا في أيار مايو 2019، يعكس التصويت الجهود التي تبذلها الاحزاب التقليدية في أوروبا لمواجهة ظهور الشعبويين الذين يعارضون الهجرة ويتهمون بتقويض حكم القانون، وتم تبني التحرك بأغلبية 448 صوتا مقابل 197 صوتا وامتناع 48 عن التصويت. وتعد هذه اول مرة يطلق فيها البرلمان خطوات بموجب المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الاوروبي.
استند التصويت على تقرير اشتمل على مخاوف بشأن استقلال القضاء، والفساد، وحرية التعبير، والحرية الاكاديمية والحرية الدينية، وحقوق الأقليات واللاجئين، في ظل حكم اوربان المستمر منذ ثمان سنوات، ويعني التصويت اتخاذ الخطوات الاولى بموجب المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي المعروفة في بروكسل باسم «الخيار النووي» والذي يمكن أن يؤدي الى حرمان المجر من حقوقها للتصويت في الاتحاد الاوروبي، ويمكن لحكومات الاتحاد الاوروبي الاخرى أن توقف أي خطوات اضافية، وحذرت بولندا من أنها قد تفعل ذلك.
في الوقت الذي تتمسك فيه المجر بحقها في مقاومة أية محاولات «لابتزازها» لكي تلين موقفها المناهض للهجرة والذي يقول أنه وراء التصويت.
وسبق أن وجهت المفوضية الأوروبية التي يرأسها جان-بول يونكر من كتلة «حزب الشعب الاوروبي» مرارا مع حكومة اوربان خاصة بعد أن رفضت بودابست استقبال طالبي اللجوء بموجب خطة أطلقها الاتحاد الاوروبي في ذروة أزمة الهجرة في 2015.
ماذا بعد؟
يشارك تيار اليمين المتطرف في حكومات العديد من دول أوروبا، منها دول أوروبية شرقية مثل المجر، وبولندا، والتشيك، وسلوفاكيا، وفي أوروبا الغربية نجدهم في حكومات هولندا، وإيطاليا، والدنمارك، والنمسا، وفي ألمانيا يشكل اليمين المتمثل بحزب «البديل من أجل ألمانيا» القوة البرلمانية الثالثة بعد حزب ميركل والاشتراكيين الديمقراطيين، فيما تقول استطلاعات رأي إن هذا الحزب في طريقه لتحقيق انتصارات انتخابية جديدة، حيث يتوقع أن يكون الحزب اليميني الشعبوي ثاني قوة برلمانية في ولاية بافاريا مطلع الخريف المقبل عندما تقام الانتخابات المحلية.
وربما تشهد المرحلة المقبلة منافسات ساخنة بين التيارات الليبرالية، ويمين الوسط، أو يسار الوسط مع التيارات اليمينة، وستكون أوروبا في اختبار كبير بين الاحتفاظ بالقيم الأوروبية والليبرالية، وإما التنازل عنها لصالح تيارات اليمين، وتأجيج المخاوف من المهاجرين اسهم في دفع الناخبين في العديد من الدول الأوروبية، خصوصاً في شرق أوروبا، للتصويت لصالح أحزاب يمينية متطرفة أو لصالح حركات شعبوية، وهو ما سيكون له انعكاسات سلبية مستقبلا على السياسات الأوروبية السياسية والاقتصادية تجاه الشرق الأوسط وشمال افريقيا بنحو خاص.
المركز العربي للبحوث والدراسات