بعد أن أعادت الصناديق إنتاج وتدوير ما دأبت على تقديمه لنا في نهاية كل موسم انتخابي، من كتل وجماعات وأفراد وواجهات ويافطات وما يتجحفل معها من “أشباه برامج” وشعارات للاستهلاك، وبعد ماراثون طويل لم ينتهي بالرغم من مرور أكثر من مئة يوم على لحظة انطلاقه؛ نجد أنفسنا أمام مهمة اختيار المرشح الذي يستلقي في سلته بقية المرشحين للرئاسات والوزارات والهيئات والمفوضيات والإدارات والسفارات وما يعرف بالمناصب والمواقع السيادية المدنية منها والعسكرية، أي المرشح لمنصب رئاسة مجلس الوزراء، لا سيما بعد أن وجد السيد العبادي نفسه بحال لم يختلف كثيرا عما عاشه أسلافه في هذا الموقع المنحوس. وفقا لدستور الوليمة والمتنافر وروح الدستور العراقي الذي تتصدره عبارة (العراقيون متساوون بالحقوق والواجبات) فإن هذا المنصب مطوب حصراً لـ “مكون” محدد من سكان هذه المستوطنة القديمة، وهذا “المكون” لا يختلف عما انحدرت اليه بقية “المكونات” من بؤس في الاحوال المادية والقيمية، وتشرذم وابتكارات للفساد لم تعرف من قبل. مع مثل هذه البيئة والمناخات الطاردة لكل ما هو سليم ومعافى، وبالرغم من الوقائع والاحداث والمعطيات التي نضحت عن تجارب من تنطع لما يفترض انه المنصب التنفيذي الاول في البلاد؛ ما زال البعض يتوهم أو يوهم الآخرين بإمكانية الحصول على مرشح لرئاسة الحكومة، تتمثل في شخصه كل المواصفات الضد (سوبر مرشح) لهذه المناخات والشروط المثقلة بكل ما تطرقنا اليه من ثوابت التشرذم والفساد، وهذا ما يصعب انتظاره في زمن هجرته المعجزات.
لحزمة من الأسباب والهزائم المتتالية والمريرة التي لحقت بالعراق والعراقيين، أصبح أمر امتلاكهم لحكومات وزعامات كفوءة وقادرة على انتشال مشحوفهم المشترك؛ امراً عسيرا ومعقدا، وقد أشرت في الكثير من المقالات واللقاءات الى ذلك وعلاقته بالطبقة السياسية، والتي تمثل ما انحدرنا اليه، والى طبيعة كتلها وفصائلها وممثليها، الذين يمتلكون موهبة إعاقة بعضهم للبعض الآخر، وهذه “الموهبة” تقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه بالتطفل على هذا المنصب أو غيره من المواقع الدسمة في الوليمة الأزلية. لذلك سيبقى أمر امتلاكنا لكل متعلقات المشروع الوطني والحضاري مؤجلاً الى ما بعد زوال هذه الحقبة وهمومها واهتمامات قوارضها من شتى العناوين والأحجام، وعلى رأس ذلك فرصة وصول مرشح لا يتمتع بالصفات والشروط المطلوبة لمثل هذه المسؤوليات وحسب، بل قدرته على تفعيلها وسط كل هذه المناخات والأجواء المعادية لكل ما له علاقة بالنزاهة والكفاءة والحزم والشجاعة، ليصبح حاله كما قال الحلاج ذات غروب: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء.
يصادف ان تحدث هذه الصراعات والتجاذبات حول “الكتلة الأكبر” والمرشح لقيادة الحكومة المقبلة في أيام عاشوراء، والتي يستعد لها الملايين من العراقيين لإحياء ذكرى الإمام الحسين ومحنته المترعة بالدروس والعبر القيمية والوجدانية، والتي حولها البعض من قوارض المرحلة الحالية الى مجرد حانوت لترويج بضائعهم النافقة وتطلعاتهم الشرهة المتنافرة ورسالة ذلك الإمام الذي ما زال ينتظر من ينتصر لقضيته التي محورها الإنسان وحرياته وكرامته في مضاربنا. وكما خذل الحسين لأن هموم القوم واهتماماتهم كانت في واد آخر، وهذا ما دونه الفرزدق في عبارته الخالدة (قلوبهم معك وسيوفهم عليك) ولن يشذ عن ذلك مصير المرشح المكتوف ضمن التوازنات الراهنة، والمدججة بكل ما قضمته كتلها وحيتانها في الدورات الانتخابية السابقة..
جمال جصاني
المرشح المكتوف
التعليقات مغلقة