العقد ، شريعة المتعاقدين ، ولا يجوز لأحدهما ان يبغي على الاخر وفقا لمقتضيات وبنود العقد المبرم بينهما ، وإلا يعد الباغي ناكلا ما يؤدي إلى الاخلال بتنفيذ العقد ، ومن حق الطرف الثاني ان يعد العقد لاغيا ويحمل الطرف الناكل النتائج المترتبة على الالغاء من خلال تطبيق ما يعرف بالشرط الجزائي ، ولا تختص صيغة العقود بجهة من دون غيرها سواء كان ذلك على مستوى الافراد بصفتهم الشخصية او المعنوية ، او المؤسسات والشركات ، ويمكن القول ان العالم كله يقوم اليوم على مبدأ التعاقد ، لذلك فان كل الجهود المبذولة من قبل المشرعين والمخططين تذهب باتجاه وضع معايير وضوابط يمكن من خلالها ضمان حقوق طرفي العقد ، صغر هذا العقد ام كبر ، وهناك اجراءات يبدو بعضها قاسيا وصارما بحق أي طرف يخل ببنود العقد ، إلا ان الهدف منها حماية الحقوق وضمان التنفيذ الافضل ، ولكن وعلى الرغم من كل تلك المحددات والإجراءات إلا اننا نجد الكثير من المشكلات الناشبة بين المتعاقدين ، وهنا اتحدث عن الحال في العراق ، واعني بالمتعاقدين مؤسسات الدولة بوصفها الطرف الاول وشركات المقاولات والمقاولين بوصفها الطرف الثاني ، ولو اردنا استعراض المشكلات القائمة اليوم لاحتجنا إلى مساحات واسعة لتغطيتها ، تلك المشكلات التي اثرت كثيرا على سير تنفيذ المشاريع ، فتوقف بعضها وتلكأ اخر وسُحب ثالث واندثر رابع والغي خامس ، وبلا ادنى شك ان مثل هذه الارباكات تسببت بخسائر فادحة للبلد تقدر قيمتها بمليارات الدولارات وكأنها احرقت في الهواء او القيت في البحر ..
ويعود سبب كل هذه الارباكات والمشكلات التعاقدية إلى عدم وجود جهة مركزية واحدة تتولى مهمة الاعلان والفتح والتحليل والإحالة والتوقيع وبدء ومتابعة التنفيذ ، انما ترك لكل جهة من الجهات مهمة ابرام العقود بينها وبين الشركات المنفذة ، ولم تنفع تعليمات تنفيذ العقود الحكومية العامة ، ولا اجراءات الادراج في القائمة السوداء بالنسبة للشركات والمقاولين المخلين بالتزاماتهم في تحسين واقع الحال ،.. ولا يمكن التماهي مع الذين يقولون ان الاسباب الكامنة وراء تدهور تنفيذ العقود الحكومية يعود إلى الشركات المنفذة فقط وعدم قدرتها على التنفيذ ، الجهات المستفيدة هي ايضا كانت سببا وراء تلكؤ المشاريع ، وهذا التشخيص يبدو واضحا من خلال التأخر في احالة المشاريع او عدم وجود دراسة جدوى منطقية ، ومنح السلف التشغيلية للمشروع قبل الشروع بالتنفيذ ، ما شجع بعض الشركات غير الرصينة والتي احيل لها المشروع بشبهة فساد بالاستحواذ على السلفة التشغيلية وتختفي من دون القيام بالتنفيذ ، وهناك العديد من المشاريع التي توقفت او تلكأت نتيجة للأسباب المذكورة ، مع الاشارة إلى ان بعضا من الشركات الحكومية هي ايضا كانت متلكئة ايضا لأسباب شتى .. المشكلة ان حالات التلكؤ في المشاريع تعالج بإجراءات حكومية تبدو في بعض الاحيان غير مجدية وأحيانا تكون تعسفية باستعمال التعليمات لصالح طرف واحد ، ومثل هذه الاجراءات التي تتمثل بإيقاف المشروع وسحب العمل من الشركة المنفذة بصرف النظر عن نسب الانجاز المتحققة ، الامر الذي تسبب بتخسير الدولة مئات ملايين الدولارات نتيجة تقادم المشروع من جانب ، ومن جانب اخر ان هناك الكثير من الشركات والمقاولين يلجأون إلى القضاء فيكسبون الدعوة التي تمنحهم حقوقا مالية خسروها نتيجة المعالجات غير الصحيحة التي تلجأ إليها الجهات المستفيدة والتي تستغرق عدة سنوات ، بلحاظ ان قضايا من هذا النوع تعود لسنوات 2010 وقبلها وبعدها يجري النظر بها عام 2018 ، وبعض الجهات وبعد مرور 4 سنوات من توقف المشروع تأتي مطالبة بإدراج الشركة المنفذة في القائمة السوداء .
وإزاء المشكلات التي تكتنف واقع العقود والمقاولات الحكومية وعدم وضوح الرؤية لدى الجهات المعنية على الرغم من صدور الكثير من التعليمات التي تنظم العملية ووجود الوثائق القياسية وتدريب الملاكات المعنية ، ولكن ما زال مستوى التنفيذ دون مستوى الطموح ، ولذلك ينبغي البحث عن حلول ومعالجات ناجعة تضمن لنا آليات تنفيذ مجدية للمشاريع على وفق توقيتاتها الزمنية وتخصيصاتها المالية ، وصولا لتوفير الخدمات التي اصيبت بالكثير من التدهور نتيجة تلكؤ تنفيذ المشاريع الخدمية .. ومن هنا اعتقد ان الامر يتطلب تشكيل او انشاء جهة او لجنة مركزية تتولى مهمة توحيد ومتابعة وتنفيذ العقود الحكومية التي تزيد مبالغها على 100 مليون دولار ، ومثل هذه اللجنة كانت موجودة في سنوات سابقة ، ومن المؤكد ان اجراء من هذا النوع سيكون له اثر فعال في تنفيذ المشاريع والحد من الفساد وحماية المال من الهدر ، كما ان من شأن هذه اللجنة ان تعطي الاستثمار في العراق دعما جديدا من خلال تسهيل الاجراءات وإيقاف المساومات واستقطاب الشركات الرصينة والكفوءة .. هي فكرة قابلة للنقاش .
عبدالزهرة محمد الهنداوي
العقود الحكومية.. تخصيصات ونتائج
التعليقات مغلقة