الفن بين العشب.. ينتظر من يستفزه

أحلام يوسف
يقال ان الفن بالنسبة للفنان بالفطرة يقبع تحت قليل من العشب، اما بالنسبة للشخص الاعتيادي فيختفي تحت جبل، فالفن أساسه الموهبة التي تولد مع الطفل وتنهض مع اول صرخة، إيذانا لدخوله الى عالمنا.
هناك من يجد ان الفن غير مجد بالنسبة لمن يسعى للعيش الكريم، ويستشهدون بذلك بفنانين من الزمن الجميل، عاشوا حياة مبهجة وغنية، وماتوا معدمين، حتى من رفقة وصحبة تعينهم على ازماتهم الصحية والاجتماعية، وبالفعل يجب ان لا يكون الفن مصدر العيش، فان تحول لدى فنان ما الى وسيلة للكسب المادي، فستكون بداية لرضوخه امام العوز، والقبول بأداء اي عمل يعرض عليه، وان كان لا يتناسب ومبادئه وافكاره، وقد نتلمس ذلك في أدوار بعض كبار الفنانين التي كانت دون المستوى.
منذ عدة سنين فهم العديد من الفنانين لعبة الفن والاقتصاد، وقاموا بتأمين مصدر رزق لهم بعيدا عن أجور الاعمال الفنية التي يقدمونها، سواء بافتتاح أسواق «سوبر ماركت» او محل تجاري يختص بالأزياء او العطور وغيرها، وأحيانا يظل الفنان يدور في فلكه فينشئ شركة انتاج خاصة له، وبذلك فهو يتحكم بنوعية الأدوار التي يريد القيام بها، الى جانب توفير مورد مادي.
الفن هو تحرر الانسان الفنان، في اثناء ساعات أدائه للون معين من الفنون، ليصور مذاق الحرية للآخرين، او المشاهد، الحرية بتجسيد ادوار قد تكون متناقضة مع شخصيته الحقيقية، والحرية بإطلاق صرخة قد يعجز عنها الكثير منا.
فالفن يرتبط ارتباطا وثيقا بحرية الممثل والكاتب والمخرج، فاذا ما قيد أحدا منهم، أُشر على احدى زوايا العمل بعلامة «اكس»، قد يجد البعض ان حرية الفن يجب ان تكون محدودة، لكن الى أي مدى؟ وعلى أي خط ترسم تلك الحدود؟ ففي العراق على سبيل المثال وقبل عام 2003 تحديدا كانت هناك خطوط حمر كثيرة امام الفنان، المواضيع كانت محدودة، وحذرة لدرجة انها غالبا ما كانت تنافي حقيقة الواقع المعاش. وان لم يكن الموضوع يحاكي الواقع بكل تفاصيله، فسيصبح مجموعة صور ممسوخة، مغشوشة، لا تمت للحقيقة بصلة، وذلك ما ينفر المشاهد منها. فعليه ان يشير الى الواقع، بكل ميزاته وعيوبه، لكن بطريقة مضاف اليها مسحة جمال فنية، فنحن كمشاهدين، في أشد المواقف قسوة وأكثرها دراماتيكية، ننتبه الى عبقرية أداء الممثل، والى عبقرية أدوات المخرج، والسيناريو، وحتى الإضاءة واختيار موقع التصوير.
وصف الرسام الإيطالي الشهير بابلو بيكاسو الفن بمقولته: الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية، فنحن اليوم نبحث عمن يخرجنا من واقعنا المطوق بألف ازمة وأزمة، لكن شرط ان لا يخدعنا بواقع كاذب مزيف، واول تلك المخارج هو التلفزيون بعد ان صارت الفضائيات بعدد المشاهدين «وصف مبالغ به بالطبع».
هناك بعض المشاهدين فضلوا متابعة المسلسلات التركية والهندية، وحينما يعجز عن متابعتها على الفضائيات يلجأ الكثير الى موقع اليوتيوب، لدرجة ان العديد تعلم بعض المفردات التركية بفضل تلك المسلسلات، التي غالبا ما تحكي قصة عشق ووله، من دون القضايا الحساسة التي تصيب المشاهد بالتوتر، او قد تستفز أفكاره، وهذا ما لا يريده العديد، بسبب زحمة المشكلات التي يعاني منها.
البعض الاخر صار يبحث عن اغان ساذجة لا تحوي أي فكرة او مضمون، لكنها ملحنة بطريقة تجعل القدم تسمعها وترقص معها قبل الاذن، التي يمكن ان يكون صاحبها قد صمها عن سماع مثل تلك الالحان، لكنه بالفعل يبحث عمن يراقصه، فينسى مع حركات جسمه وتعبه فيما بعد همه اليومي.
الفن وسيلة للتحرر من شعور الألم، وعبودية الحزن، وفوضى الواقع، وقد يكون ذلك السبب في الاختلاف الجذري بين اعمال الامس واليوم، حيث كانت الأولى هادئة، رومانسية، حتى في أفلام العصابات، هناك قصة حب جميلة تجبر المشاهد على التفاعل معها، وغالبا ما تكون النهايات سعيدة، على العكس من اعمال اليوم اذ بتنا نتحسر على مشاهدة فيلم رومانسي لدرجة ان نصدقه، ونصدق المشاعر التي ترجمها الكاتب بكلمات يرددها الممثلون من بعده، فالفن هو انعكاس للواقع حتى وان حاولنا الالتفاف على حقيقته، لكن هناك من اجاد هذا الالتفاف فصور قبح الواقع باحترافية عالية وهناك من اخفق، فالفن موهبة، والدراسة الاكاديمية كل ما تفعله صقل تلك الموهبة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة