بغداد – الصباح الجديد:
التنين الصيني هو كائن أسطوري في الأساطير والفلكلور الصيني. يتم تصوير التنانين دائمًا في الفن الصيني في شكل كائنات طويلة أفعوانية ذات قشور بأربعة أرجل. وفي مصطلحات ين ويانغ (yin and yang)، التنين هو يانغ الذي يتمم ين فنغهوانغ («طائر الفونيكس الصيني».
ومهرجان قوارب التنين أو دوان وبالصينية أحد الأعياد أو المهرجانات الكبيرة التقليدية في الصين ومُعظم دول شرق آسيا، وَيُصادف حسب التقويم القمري الصيني اليوم الخامس من الشهر الخامس مِن كل سنة في التقويم القَمري.
وترمز التنانين الصينية قديمًا إلى السلطان والقوة المبشّرة، وخصوصًا التحكم في المياه والأمطار والأعاصير والفيضانات. ويرمز التنين أيضًا إلى السلطان والقوة والحظ الطيب. واعتاد إمبراطور الصين استخدام التنين بهذا المعنى ليرمز إلى سلطاته الإمبراطورية وقوته البالغة.
وتتم مقارنة الأشخاص المتميزين والنابهين بالتنين في حين يضاهون بين الأشخاص المفلسين بكائنات أخرى محتقرة منها الديدان. وهناك عدد لا بأس به من الأمثال والكنايات تذكر التنين ومنها على سبيل المثال: وتعني انه يتمنى أن يصبح ابنه تنينًا» ، أي يصبح مثل التنين.
وورد ذكر التنين في الكثير من القصص والأساطير في ثقافات الشعوب بجميع أنحاء العالم. وله أجنحة وفي بعض الأساطير لا يملك أجنحة، ويقال في بعض الأساطير بأنه ينفث النار من فمه. وأكثر التنانين شهرةً هو التنين الأوروبي، المستمد قصته من شتى القصص الشعبية الأوروبية، والتنين الشرقي، مثل التنين الصيني.
ويعد التنين من الوحوش التي أُلفت عنه القصص والأساطير وصنعت التماثيل له، ويوجد في مناطق الجنوب الصيني من يؤمن بوجود التنانين في معتقداتهم الدينية.
لقد قيل في الأساطير القديمة أن التنين كان رمز القوة فهو كان يتمتع بقوة لا حدود لها، وجلده صلب قادر على التحليق بسرعة بينما زمجرته تثير الرعب، وقد كان يلقب أبطال الكونغ فو في الصين بالتنانين.
ومع أن التنانين ظهرت في العديد من الأساطير في أرجاء العالم، فقد تباينت القصص عن الوحوش التي جمعت تحت تسمية التنين. كما تصور في بعض الأحيان أن لها عيونا كبيرة أو تراقب الكنز بعناية كبيرة، وهو أصل تسميتها دراغون بالإنجليزية أي «الرؤية بوضوح» . بعض الأساطير تصورها مع صف من الزعانف الظهرية. ويكون التنين الأوروبي في أكثر الأحيان مجنحًا، في حين أن صورة التنين الشرقي تشبه الثعابين الكبيرة. ويمكن أن يكون للتنين عدد متغير من السيقان تتفاوت من العدم إلى الأربع أو أكثر من ذلك عندما يتعلق الأمر بقصص الأدب الأوروبي المبكر.
ويكون للتنين غالبا أهميته الروحية الكبرى في شتى الأديان والثقافات في أنحاء العالم. فتوجد قصص التنانين في العديد من الثقافات الآسيوية، وفي بعض الثقافات ماتزال تعده ممثلا للقوى الأساسية للطبيعة والدين والكون. كما تربطه مع الحكمة، وكثيرا ما يقال أنه أكثر حكمة من البشر، وطول العمر. ويقال عنهم عادة بأنهم يمتلكون شكلا من أشكال القوى السحرية أو القوى الخارقة للطبيعة، وغالبا ما ترتبط بالآبار والأمطار والأنهار. وفي بعض الثقافات، تكون التنانين قادرة على الكلام مثل الإنسان.
يمكن للتنانين الصينية والشرقية عموما أن تتخذ شكل الإنسان، وعادة ما تكون خيرة، في حين أن التنانين الأوروبية تكون عادة حاقدة وإن كان هناك بعض الاستثناءات (تنين ويلز الأحمر هو أحد تلك الاستثناءات). وتوجد بعض التنانين الشرقية الحاقدة كما في الأساطير الفارسية، والروسية مثلا.
وللتنين شعبية خاصة في الصين، فالتنين ذو المخالب الخمسة كان رمزا لأباطرة الصين مع طائر العنقاء رمزا للإمبراطورة الصينية. وأزياء التنين التي يرتديها ويحركها العديد من الناس هي أمر شائع في المهرجانات الصينية.
دائماً ما تحمل الأساطير الشعبية حقائق وخفايا خلفها، وتكون وسيلةً لإيصال عبرة ما من خلال قصة مشوقة تجذب الأذهان والأسماع، فتصل المعلومة عبر حكاية تحمل في طياتها الكثير من الخيال والألوان، وعند البعض قد تكون حكايةً مقدسة، وتصبح رمزاً وأيقونةً لا تفارق الثقافة الشعبية والفولكلور الثقافي للبلد.. وكذلك الصين.. وتنينها الأسطوري.
وعندما نتحخدث عن التنانين والاساطير الصينية لابد لنا من ان نعرج على فيلم الرسوم المتحركة مولان الذي أنتجته شركة والت ديزني سنة 1998، وكان مؤسسا على أساس أسطورة صينية عن فتاة باسم هوا مولان. الفيلم هو السادس والثلاثون من أفلام ديزني.
وتدور أحداث الفيلم عن الفتاة مولان التي تذهب إلى الجيش الصيني بدلاً عن والدها الذي لا يستطيع الذهاب لكبر سنه، فتتنكر على هيئة رجل، ويرافقها في رحلتها تنين أسطوري صغير الحجم وصرصور، وعندما تذهب إلى الجيش لم يشك أحد بأنها فتاة، بل وعندما بدأت الحرب أنقذت قائد الجيش، ولكنها جُرحت في أثناء المعركة فعرف الجنود أنها فتاة وكان عقابها الإعدام، إلا أن قائد الجيش عفا عنها لإنقاذها حياته. وبعد ذلك عندما تكون في طريقها للرجوع إلى بيت والدها تعرف أن المتطرفين سيهاجمون العاصمة في أثناء الاحتفال بالعيد الصيني، لاستماعها لهم وهم يخططون للهجوم، وفي يوم العيد عندما تحاول أن تنذر الجيش الذي يتواجد في الاحتفال في العاصمة، لا أحد يصغي لها، بل أنهم يتجاهلونها، وعندما يبدأ الهجوم تعيد الاتفاق معهم وينقذون الإمبراطور الذي كان مستهدفاً من الاعتداء، وبها ترجع ثقة القائد بل وثقة كل الجنود في مولان.
ويرمز التنين في الثقافة الشعبية الصينية إلى الخير والحظ الجيد والقوة، كما أنه يعد المسيطر الذي يتحكم بالماء والعوامل الجوية كالأعاصير والأمطار والفيضانات، ولذلك فإن إمبراطور الصين كان يستعمل التنين كرمزٍ للقوة والسلطة.
تاريخياً كان التنين في عهد أسرة «تشو» رمزاً لإمبراطور الصين، وقد تم استعماله في التقسيم الاجتماعي لطبقات المجتمع الصيني، فقد تم تعيين التنين ذو الخمسة مخالب ليكون رمزاً للإمبراطور، والرباعي المخالب كان يمثّل الإقطاعيين والنبلاء، وذو المخالب الثلاثة كان رمز الوزراء، بعد ذلك وفي عهد أسرة «تشين» بقي خماسي المخالب يرمز للإمبراطور فيما أصبح رباعيا وثلاثي المخالب رمزاً للعوام، ومع وصول أسرة «تشينغ» إلى الحكم أصبح التنين يوضع على أعلام الإمبراطورية.
وجرت العادة في البلاد الأخرى أن يُستعمل التنين ويرمز به إلى الصين، لكن استعمال التنين كرمزٍ للأمة الصينية ليس شائعاً في الصين نفسها، بل هو رمزٌ ثقافيّ لا أكثر، ولأن التنين في الثقافة الأوروبية يتّسم بنزعاتٍ عدوانية وميولٍ عنيفة وحربية، فإن الحكومة الصينية دوماً تتجنب استخدامه في الأمور والمناسبات الرسمية مع البلدان الأخرى.
ويستعمل الصينيون أحياناً مصطلح «أحفاد التنين» كدليلٍ على الهوية العرقية، وكذلك فهذا المصطلح يمثل اتجاهاً ظهر في عام 1970 عندما شرعت الجنسيات الآسيوية في البحث عن رموز حيوانية لتمثّل كل قومية وبلد، فاستخدم المغول الذئب، واستعمل التيبتيون القرد فيما اختار الصينيون التنين رمزاً لهم، وأصبحوا أحفاد التنين.
وفي يومنا الحالي فإن التنين ورسومه تستخدم غالباً لأغراض الزينة والاحتفالات فقط، ومن المحرمات تشويه رسم التنين أو الاستهزاء به.
أما أصل التنين ووجوده في الثقافة الصينية فإن التنين الصيني موجودٌ منذ آلاف السنين، ويعود ذلك إلى اكتشاف تمثال منحوت للتنين الذي يلتف حول نفسه في أحد ثقافات الصين «يانغشاو»، إذ يعود تاريخ وجود هذا التمثال إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد، وكذلك في ثقافة «هونغشان» نحو 2900 قبل الميلاد.
وقد لعب التنين الملتف على نفسه دوراً مهماً في الثقافة الصينية المبكرة، حيث يتشابه شكل الكلمة التي تعني «تنين» في الكتابة الصينية مع شكل التنين المنحوت، وتحكي الصينية القديمة بأن عظاماً لتنين كانت قد اكتُشفت في القديم، وقد تم توثيق ذلك بالكتابة في المصادر الصينية، وكذلك فقد ذُكر بأن الصينيين القرويين احتفظوا بهذه العظام واستعملوها لأغراض طبية ولصناعة الأدوية، ويُقال بأن بعض هذه العظام مازالت حتى اليوم موجودةً في قرى وسطِ الصين ومازال المحليون يستعملونها للدواء.
وفي الرسوم الشرقية للتنين تظهر لؤلؤة مشتعلة تحت ذقن التنين وترمز اللؤلؤة إلى الحظ والرخاء والثروة، وكذلك فإننا أحياناً نرى التنين مرسوماً مع جناحين صغيرين على جوانب جسمه، لكن معظمها لا يملك أجنحة وقدرتها على الطيران والتحكم بالأمطار والمناخ داخلية من الروح وليست مرتبطةً بقدرة بدنية.
وتروي الأساطير بأن التنين يملك قوىً خارقةً للطبيعية لا تُعدّ، فهو قادرٌ على إخفاء نفسه على هيئة «دودة قز»، ولديه القدرة على أن يكون أكبر من نراه، وهو قادرٌ على التخفي بين الغيوم وفي الماء، ويمكنه تغيير شكله وحجمه ولونه ليتلاءم مع المحيط حوله ويختفي.
وفي البلدان المجاورة للصين، تروي الحكايات الشعبية بأن التنين يملك قوى الأبراج الصينية الـ11 الأخرى، من خلال شعيرات الفأر، وقرون الثور، ومخالب وأسنان النمر، وبطن الأرنب، وجسد الأفعى، وأرجل الحصان، ولحية الماعز، وخفة دم القرد، وعرف الديك، وآذان كلب، وأنف الخنزير.
ويُعد رسم التنين متجهاً للأسفل يجلب الحظ السيء، وأن على الشخص أن يحصل على أي شيء يرمز للتنين كوشم أو قلادة، لجلب الحظ الجيد وتجنب سوء الطالع، ومن منطلق القوة التي يحملها التنين فإن كثيراً من المنظمات السرية ومنظمات المافيا استعملته كرمزٍ لها.
ويبقى التنين بالنسبة الينا اسطورة تأخذنا الى حيث طفولتنا البريئة، الخالية من المسؤوليات، والمليئة بالأحلام والخرافات، التي نتحاور خلالها مع جني مصباح علاء الدين لتحقيق امنياتنا، وجواهر السندباد التي يعثر عليها في أي نهر او وادي، ورحلته المشوقة والعمالقة والاقزام الذين يصادفهم وكذلك التنانين التي تنفث النار أحيانا دفاعا عن الحق وفي أحيان أخرى دفاعا عن الشر.