هنية جاويد
يمارس الحظر على قطر تأثيراً اقتصادياً غير متكافئ على العمال الوافدين، على الرغم من أن الجهود المتزايدة لتحقيق الاستدامة الذاتية قد تتيح فرصاً توظيفية جديدة.
في 23 تموز/يوليو الماضي، حكمت محكمة العدل الدولية بأنه على الإمارات العربية المتحدة وقف ممارساتها التمييزية التي تفرضها على المواطنين القطريين في إطار الحظر الذي بدأ في حزيران/يونيو 2017، وذلك عبر اتخاذ جملة تدابير منها مثلاً جمع شمل العائلات والسماح للطلاب القطريين باستكمال تحصيلهم العلمي في الإمارات. في حين يُتيح ذلك فسحة انفراج ضرورية جداً للمواطنين القطريين، ما يزال ثلاثة أخماس القطريين – وهم عمّال وافدون قادمون في أغلبيتهم من بنغلاديش والهند وسري لانكا – يشعرون بالوطأة الاقتصادية للحصار المتواصل.
أعلنت وزارة الخارجية القطرية، في آب/أغسطس 2017، أن الحكومة ستعمل كي لا يكون للحظر تأثير على المواطنين القطريين والأجانب المقيمين في البلاد على حد سواء. بيد أن غالبية التدابير التي اعتمدتها السعودية والبحرين والإمارات كانت واسعة النطاق، ولم تُميّز بين الحكومة القطرية وسكّان البلاد، ما أدّى إلى تكبُّد الأفراد خسائر مالية كبيرة.
ومن أبرز التداعيات التأثير على العمّال في قطاع التصنيع. ففي واحدة من حالات كثيرة، عادت مجموعة من 15 فيليبينياً، وعاملا هنديا، وعاملَين من النيبال، إلى بلدانهم في نيسان/أبريل 2018، بعد ستة أشهر من تسريحهم من عملهم.
كان هؤلاء يعملون في مصنع للألومينيوم والزجاج في قطر، لكن وتيرة العمل أصبحت متقطّعة وغير منتظمة نحو أواخر آب/أغسطس 2017، عندما استنفد المصنع مخزوناته من المواد الخام المستعملة في التصنيع، والتي كان يحصل عليها من الإمارات. وبحلول شهر تشرين الأول/أكتوبر، توقّف العمل تماماً، وجرى تسريح الموظّفين الذين كانت خياراتهم محدودة للعثور على وظائف أخرى عملاً بنظام الكفالة المعتمد في قطر، والذي يجعل من الصعب تغيير صاحب العمل بموجب التأشيرة الصادرة عن السلطات.
قال أحد العمّال العائدين إلى الفيليبين: «أصدرت لنا الحكومة تذاكر للعودة إلى ديارنا. انتظرنا أشهراً عدة. ولم نتقاضَ راتباً عن أشهر الانتظار».
تعتمد قطر، شأنها في ذلك شأن بلدان خليجية أخرى، على هؤلاء العمال الوافدين لتطوير بناها التحتية. فالعمّال الوافدون، القادمون في شكل أساسي من جنوب أو جنوب شرق آسيا، يشكّلون أكثر من 80 في المئة من اليد العاملة القطرية، وما يزال حجم الضرر الذي ألحقه الحظر بالعمالة الوافدة في قطر، غير واضح. فقد تحدّثت تقارير متفرّقة عن البطالة، وعدم تسديد الرواتب، وإرغام العمّال على أخذ إجازات غير مدفوعة، منذ حزيران/يونيو 2017.
على سبيل المثال، تعرّض نحو 1200 عامل (معظمهم من العمّال اليدويين أو الميكانيكيين) وجدوا وظائف عن طريق شركة حمد بن خالد بن حمد للمقاولات (HKH) التي تُعد من كبريات شركات الإنشاءات في قطر – تعرضوا إذاً للتسريح من عملهم ولم يتقاضوا رواتبهم. وأشارت تقارير إلى أن بعض العمّال علقوا في السعودية من دون أي تعويضات عندما فُرِض على أصحاب العمل القطريين مغادرة المملكة. إلى جانب الشوائب التي يعاني منها نظام الكفالة الذي يجعل العامل مقيَّداً بمستخدِمه، ما يحدّ من حركيّته وقدرته على تغيير عمله على السواء، ثمة صعوبة في تقييم الأثر المباشر للحظر.
خسر مئات الأشخاص في جانبَي الحدود السعودية-القطرية وظائفهم، وتكبّد عدد أكبر بكثير، سيما في قطاع النقل، خسائر مالية فادحة. لم يؤثّر الحظر فقط في الطرقات الداخلية التي يسلكها سائقو الشاحنات من موانئ قطر وإليها، إنما كان له تأثير أيضاً على الطرقات الدولية التي تمرّ عبر السعودية.
قبل الحظر، كانت نحو 800 شاحنة محمّلة بالمواد الغذائية ومواد البناء تعبر يومياً الحدود البرية باتجاه قطر. يقول زاكر نقوي من منتدى الرعاية الباكستاني، وهو عبارة عن منظمة غير حكومية في قطر تسعى إلى تحسين أوضاع الجالية الباكستانية التي يعمل عدد كبير من أبنائها في قطاع النقل، إنه ابتداءً من تموز/يوليو 2018، «بات ستون في المئة من العائلات الباكستانية التي أعمل معها بانتظام، من دون عمل» . بعد الصدمة الأولى التي أحدثها الحظر، وجد البعض عملاً مشابهاً في قيادة حافلات المدارس. بيد أن الأشخاص الذين ما يزالون يحاولون إيجاد مصادر بديلة للدخل، يواجهون منافسةً أكبر في سوق العمل في حالة العمّال الأقل مهارة.
كذلك كان لإغلاق الحدود البرية السعودية تأثيره على سائقي سيارات الأجرة الذين يتألفون أيضاً في غالبيتهم من عمّال وافدين، والذين يتحدّث بعضهم عن تراجع إيراداتهم اليومية بنسبة 70 في المئة بسبب انخفاض أعداد السياح الخليجيين.
في العام 2016، كانت السعودية المساهِمة الأكبر في السياحة في قطر، مع 949000 زائر سنوياً، أو 32 في المئة من مجموع الزوّار إلى قطر. يقول سائق تاكسي بنغلاديشي في الـ35 من العمر: «في المعدّل، كنت أقلّ نحو مئتَي راكب أسبوعياً. كان أمراً طبيعياً جداً أن أقلّ ركّاباً من الحدود السعودية أو المطار وأوصلهم إلى الفنادق. أما الآن فأقوم بـ15 إلى 20 توصيلة في اليوم، ومعظمها داخل المدينة».
شهدت قطر تراجعاً بنسبة 38 في المئة في أعداد الزوّار في الربع الأول من العام 2018 بالمقارنة مع العام 2017، مع العلم بأنها أطلقت، في آب/أغسطس 2017، سياسة إلغاء التأشيرات لمواطني 80 بلداً بغية توليد عائدات إضافية من أجل التصدّي للعقوبات التي فُرِضت مؤخراً والظهور في صورة الانفتاح وحسن الضيافة. غير أن سياسة التأشيرات الجديدة ساهمت في زيادة بنسبة 56 في المئة في أعداد الزوّار الأفارقة، و15 في المئة في أعداد الزوار الأوروبيين، سيما أولئك القادمين من روسيا، ما ساهم في التعويض عن الانخفاض بنسبة 86 في المئة في أعداد الزوار القادمين من دول الخليج الأخرى، ولم يتراجع إشغال الفنادق سوى بمعدل خمسة في المئة. غير أن سائقي التاكسي من العمال الوافدين ما يزالون يعانون من الصعوبات. يقول سائق تاكسي من سري لانكا: «لقد بات أمراً مألوفاً الآن أن يعمد سائقو التاكسي إلى سلوك طريق أطول ليتمكنوا من تقاضي مبلغ إضافي مقابل الأمتار التي يقطعونها. الدوحة فارغة، السياح غائبون حتى بعد اعتماد سياسات إلغاء التأشيرة لمواطني 80 بلداً».
لقد تمكّنت قطاعات أخرى – مثل قطاع البناء حيث يبلغ عدد العمال الوافدين 800000، أي نحو 40 في المئة من مجموع اليد العاملة في قطر – من التصدّي لتأثيرات الحظر بشكل أفضل. وعلى وجه الخصوص، يشهد تطوير البنى التحتية، مثل توسيع المستشفيات أو تعبيد الطرقات، طفرة منذ استعادت قطر الوصول إلى مواد البناء من خلال طرقات تجارية جديدة تمرّ عبر سلطنة عمان وتركيا وإيران. ويجري العمل على تنفيذ عدد كبير من المشاريع حيث غالبية العمّال هم من الوافدين، استعداداً لاستضافة كأس العالم التي ينظّمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في العام 2022، مثل مشروع الطريق المداري الجديد الذي سيربط وسط مدينة الدوحة بملاعب الريان والخور ولوسيل.
تنسجم هذه المشاريع جيداً مع الجهود التي تبذلها قطر لتحقيق الاكتفاء الذاتي. ففي العام 2008، أطلقت وزارة التخطيط التنموي والإحصاء «الرؤية الوطنية 2030»، وهي عبارة عن خطة إنمائية واسعة النطاق لتنويع الاقتصاد كي يكون «قادراً على تلبية احتياجات مواطني قطر في الوقت الحاضر وفي المستقبل وتأمين مستوى معيشي مرتفع». بعد فرض الحظر، عمدت قطر إلى التسريع في تنفيذ خططها الإنمائية. على سبيل المثال، أنشأت العديد من مزارع الحليب ومشتقاته في الصحراء، بهدف تلبية الطلب الداخلي والتعويض عن 400 طن من الحليب والزبادي كانت تستوردها يومياً من السعودية، وأطلقت العديد من المشاريع الأخرى لإنتاج المواد الغذائية بدافع الاستهلاك الداخلي، سيما في قطاعَي صيد الأسماك والزراعة.
تعرض استراتيجية التنمية الوطنية الراهنة، التي كشفت عنها وزارة التخطيط التنموي والإحصاء في آذار/مارس 2018، خططاً إضافية طويلة الأمد لتدعيم قطاع الغاز والقطاعات غير النفطية. بغية تحقيق الاستدامة في هذه القطاعات، ينبغي على قطر تعزيز مواردها الاقتصادية والبشرية، ليس فقط من أجل تحفيز القطريين المتعلّمين كي يبقوا في البلاد – مثلاً عبر تشجيعهم على النهوض بأدوار إدارية في الصحة والتعليم والأعمال – إنما أيضاً بهدف تجنيد خليط من الجنسيات والمهارات في اليد العاملة الوافدة. لهذه الغاية، تسعى قطر إلى إقامة شراكات مع ماليزيا وأندونيسيا وسنغافورة في قطاعَي التعليم والصحة. وعبر اختيار وجهاتٍ غير دول الخليج، لا تسعى قطر وحسب إلى تنويع مصادرها من اليد العاملة إنما أيضاً إلى إقامة شراكات تجارية جديدة واستحداث فرص استثمارية.
ربما تعافت قطر جيداً، بفضل ثروتها ومشاريعها الآيلة إلى تحقيق الاستدامة الذاتية، لكن إذا كانت تنوي تطبيق «الرؤية الوطنية 2030»، عليها أن تعمل من أجل صون حقوق السواد الأعظم من اليد العاملة في البلاد. والاحتفاظ بالقوة العاملة في قطاعَي البناء وإنتاج المواد الغذائية يقتضي الوفاء بالوعود التي قطعتها قطر لمنظمات حقوق الإنسان الدولية، والتي تعهدت من خلالها بتحسين سجلها في مجال حقوق العمال.
• معهد كارنيغي للدراسات