آتيلا إلهان
لا داعي لأن تذكركِ الذكريات،
فأنتِ لا تغيبين ولو لدقيقة عن بالي،
مشيتك كالركض،
وابتسامتك المضيئة كنور وسط العتمة.
لا داعي لأن تذكركِ الذكريات،
الكون محاط بالنجمات البعيدة،
بينما يتسرب الوقت إلى فراغات الظلام.
مثلما يلازمني اسمي هكذا نكون سوياً،
وأكون معكِ في كل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية،
فقلوبنا التي آمنت بالسعادة مطمئنة بتفاخر،
ورؤوسنا أشبه بديناميت متتال أسفل أريكتنا.
وفيما بعد، يصير نور رؤية حقائق، عدم وجود قسمة،
لكل شخص دائمًا،
تحت الظروف نفسها، مكتوب على جبيننا.
لا داعي لأن تذكركِ الذكريات،
أنكِ قريبة مثل قلبي ويدي.
قصيدة الشخص الثالث
عندما كانت تلامس عيناكِ عيني،
كانت تحدث كارثتي وأبكي.
كنت أعلم أنكِ لم تحبيني،
سمعتُ أن هناك شخصا معلقا قلبكِ به،
شاب نحيف كعود الثقاب،
وفي رأيي كان شخصا سيئا،
عندما أراه أمام عيني،
كنت أخشى قتله.
وكانت تحدث كارثتي وأبكي.
وقتما أمر من (*) ماتشكا،
يكون الميناء مرصعا بالسفن،
والأشجار تضحك كالطير،
ورياح تفتنني.
كنت تشعلين سيجارة في صمت،
ورؤوس أناملي تحرقين،
وبأهدابك تميلين وتنظرين،
فكنت أشعر بالبرد، وتسري رعشة داخلي.
وكانت تقع كارثتي وأبكي.
كانت الأماسي تنتهي كرواية،
و”جيزابل” منطرحة غارقة في دمائها.
كانت هناك باخرة مبحرة من الميناء،
فانتفضت واقفة ملحقة بها.
كنت تمضين بوجه شاحب كالشمع،
وتبقين هناك حتى الصباح،
أما هو فكان شخصا غير جيد في تقديري،
أشبه بجنازة عندما يضحك،
وخاصة عندما يحتضنك بين ذراعيه.
وكانت تحدث مصيبتي وكنت أبكي.
فرار المطر
أمسكي بيدي وإلا سأسقط،
وإلا ستهوى النجوم تباعًا.
لو أني شاعر وأنتِ تعرفينني،
لعرفت ذعري من المطر،
لو على بالكِ تخطر عيناي،
أمسكي بيدي وإلا سأسقط،
ويجرفني المطر.
لو سمعت ارتطاما في جنح الليالي،
فهذا أنا
ماراً (*) بسراي برونو.
لو ليلاً أو في أيلول وكنت مبتلاً،
ورأيتني ربما لن تستطيعي أن تفهمي،
وتكتمين الحزن داخلك وتبكين خلسة.
ولو أنا وحيد ومذنب،
أمسكي بيدي وإلا سأسقط،
وسيأخذني المطر.
………………
(*) سراي برونو: منطقة في إسطنبول
(*) ماتشكا: اسم قرية في طرابزون بتركيا.
* آتيلا إلهان 1925-2005 شاعر وكاتب وسيناريست وناقد وكاتب صحافي ومفكر تركي. كان والده مولعا بالقراءة والشعر، ومقتنيا أمهات كتب الأشعار الكلاسيكية والروايات. وكما أنه كان يعرف العثمانية، فتأثر آتيلا إلهان مبكراً بهذه الأجواء الأدبية، مما أثر بشكل كبير في تكوينه، وبدأ يكتب الشعر وهو طالب. التحق بمدرسة أتاتورك الثانوية، وتم القبض عليه وفصله من المدرسة بسبب كتابته رسالة إلى فتاة أحبها، كانت تحتوى على أشعار ناظم حكمت، والتي مُنع تداولها في ذلك الوقت. التحق بكلية الحقوق في جامعة إسطنبول، ولكنه لم يكمل الدراسة فيها. ينتمى آتيلا إلهان إلى تيار أدبي اسمه “ماوي”، التي تعني أزرق في التركية، نسبة إلى مجلة تحمل الاسم نفسه قام بإصدارها مع مجموعة من الكتاب والشعراء الأتراك عام 1952. كانت حركة “ماوي” (أي أزرق”) مضادة لتيار “غريب” وشعر أورهان والي، رفض تيار “أزرق”، وضوح الشعر ومعانيه، ودعا إلى عمقه، وغنى التشبيهات فيه وعدم بساطته. بينما دعا آتيلا إلهان إلى الواقعية الاجتماعية.