لماذا يطالب أحمدي نجاد باستقالة روحاني؟

صراعات مفتوحة:
فرضت العقوبات الاميركية على إيران تداعيات مباشرة على الأرض قبل أن يتم تفعيلها من الأساس. وعندما بدأ تطبيق الحزمة الأولى منها في 7 أغسطس الجاري، كان سعر صرف العملة الوطنية قد وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من الانهيار، بعد أن تجاوز الدولار الواحد نحو 130 ألف ريال. لكن ربما يكون من أهم ما أنتجته العقوبات من تأثيرات هو تسببها في تصاعد حدة الصراع السياسي الداخلي، بعد أن وضعت حكومة الرئيس حسن روحاني أمام ضغوط قوية، قد تكون نتيجتها مفتوحة على مسارات عديدة لا يمكن استبعادها، خاصة بعد أن تزايدت ظاهرة الاستقالات والإقالات من الحكومة، وكان آخرها علي ربيعي وزير العمل الذي سحب البرلمان الثقة منه، في 8 أغسطس الجاري، بسبب فشله في التعامل مع ارتفاع مستوى البطالة، الذي من المتوقع أن يستمر خلال المرحلة القادمة، على ضوء العقوبات الاميركية الجديدة.

اعتبارات مختلفة:
في هذا السياق، تعمد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الانخراط في التفاعلات السياسية التي تجري حاليًا على الساحة السياسية، بعد مرحلة هدوء شهدتها الفترة الأخيرة، حيث وجه انتقادات قوية لكل من الرئيس حسن روحاني ورئيسى السلطتين القضائية والتشريعية صادق وعلي لاريجاني، مطالبًا الأول بتقديم استقالته من منصبه، بعد اتساع نطاق الاستياء الشعبي من سياساته.
وربما يمكن تفسير أسباب تصعيد أحمدي نجاد ضد روحاني والشقيقين لاريجاني في هذا التوقيت في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- ضغوط مضادة: يحاول الرئيس السابق من خلال هذه الانتقادات الرد على الحملة التي تشنها الحكومة والسلطات الأخرى في النظام لتبرير المشكلات الحالية التي تشهدها إيران، وانعكست في ارتفاع مستويات البطالة والتضخم والفقر. إذ عدّت هذه الجهات أن أحد الأسباب الرئيسة التي تفسر ذلك يكمن في التداعيات التي فرضتها سياسات حكومة أحمدي نجاد، التي لم تستغل، في رؤيتها، العوائد الضخمة للصادرات النفطية في حل المشكلات الاقتصادية المختلفة ورفع مستوى المعيشة فحسب، بل إنها فاقمت من حدة تلك المشكلات عندما تبنت برامج اجتماعية كان لها تأثيرات سلبية على أداء الاقتصاد الإيراني بشكل عام.
2- هجوم غير مباشر: يحاول أحمدي نجاد الإيحاء بأن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي يتحمل الجانب الأكبر من المسئولية عن تفاقم الأزمة الاقتصادية باعتبار أنه اسهم بشكل كبير في وصول حسن روحاني وتيار المعتدلين بشكل عام إلى السلطة من جديد بداية من عام 2013، بعد فترة غياب دامت أكثر من ثماني أعوام، بدأت منذ فوز أحمدي نجاد على زعيم التيار هاشمي رفسنجاني في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2005.
ووفقًا لرؤية أحمدي نجاد، فإن تحمس خامنئي لخيار تصعيد روحاني إلى رئاسة الجمهورية، والذي بدا جليًا في عزوفه عن ممارسة ضغوط على تيار المحافظين الأصوليين للتوحد خلف مرشح واحد، كان سببًا رئيسيًا في فوز روحاني بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2013 من الجولة الأولى على أربعة من مرشحي تيار المحافظين الأصوليين، بعد أن تم رفض ترشيح مدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي في الانتخابات نفسها من قبل مجلس صيانة الدستور.
وكان المرشد يسعى من خلال ذلك، طبقًا لتلك الرؤية، إلى تعزيز فرص الوصول إلى صفقة مع القوى الدولية حول الاتفاق النووي، بعد أن أعطى الضوء الأخضر لإجراء مفاوضات سرية مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كان لها دور بارز في الوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015.
وبعبارة أخرى، فإن أحمدي نجاد يسعى من خلال الانتقادات الأخيرة إلى تأكيد أن ما تواجهه إيران من مشكلات حالية يعود إلى السياسات العليا للنظام وليس إلى الإجراءات الاقتصادية للحكومة فقط، وذلك في رد مباشر على المحاولات التي يبذلها النظام من أجل تحميل المسئولية بشكل كامل على عاتق الحكومة.
3- مزاعم نووية: كان لافتًا أن الرئيس السابق حرص خلال انتقاداته الأخيرة على الإشارة إلى أن التقدم الملحوظ في البرنامج النووي الإيراني حدث خلال فترتي رئاسته للجمهورية، خاصة على صعيد رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى نحو20% وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي إلى 19 ألف جهاز من طرازات مختلفة.
وفي رؤية أحمدي نجاد، فإن هذا التقدم توقف بعد الوصول للاتفاق النووي، على خلفية القيود التي فرضها على أنشطة إيران النووية، وفي مقدمتها تخفيض مستوى التخصيب إلى 3.5% واستخدام أجهزة الطرد المركزي من الطراز الأول فقط وتغيير نظام تشغيل مفاعل آراك الذي يعمل بالماء الثقيل.
4- اتهامات مباشرة: واصل أحمدي نجاد حملة الاتهامات التي يوجهها إلى رئيسي السلطتين القضائية والتشريعية، خاصة بعد قيام القضاء، في مارس 2018، بإصدار حكم بسجن نائبه السابق حميد بقائي لمدة 15 عاما بتهمة اختلاس 3 مليون و760 ألف يورو و590 ألف دولار، وهو ما رد عليه الرئيس السابق بإعادة تجديد اتهاماته لعائلة لاريجاني بالفساد وبالتغاضي عن الممارسات غير القانونية التي ترتكب في بعض مؤسسات الدولة، والتي أدت إلى إهدار مليارات الدولارات.

حدود التصعيد:
ترى اتجاهات عديدة أن أحمدي نجاد يسعى إلى استغلال الأزمات العديدة التي تواجهها إيران في المرحلة الحالية من أجل تعزيز موقع جناحه داخل خريطة القوى السياسية، أو بعبارة أدق إحداث تغيير في توازنات القوى داخل تيار المحافظين الأصوليين لصالح الجناح المتشدد الذي يقوده. ومع ذلك، فإن الضغوط التي يمارسها الرئيس السابق لن تفرض، على الأرجح، تداعيات إيجابية على موقع جناحه السياسي، وذلك لاعتبارات عديدة.
إذ بدا واضحًا من الاحتجاجات المتتالية التي تشهدها إيران على مدار الشهور الماضية أن المحتجين باتوا غير مهتمين، بشكل كبير، بالفرز السياسي القائم بين القوى المختلفة، باعتبار أن الخلافات بين هذه القوى ليست كبيرة، وأن الكلمة الفصل في النهاية تعود إلى المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يستطيع بصلاحياته ضبط توازنات القوى بين هذه التيارات على النحو الذي يتوافق مع رؤاه وسياساته.
كما أن حكومة أحمدي نجاد فشلت بدورها في التعامل مع المشكلات الاقتصادية نفسها التي بدأت منذ فترة طويلة لكنها تفاقمت في الوقت الحالي، على نحو أدى إلى استجواب الرئيس السابق أمام مجلس الشورى في 14 مارس 2012، وذلك للمرة الأولى التي يستدعي فيها البرلمان رئيس الجمهورية لاستجوابه.
فضلاً عن أن التقدم الذي شهده البرنامج النووي في عهد أحمدي نجاد كان بقرار من المرشد الأعلى للجمهورية والمؤسسات النافذة الأخرى مثل الحرس الثوري، على نحو يقلص من تأثير الدور الذي قام به الرئيس السابق في هذا السياق، الذي يعتبر مُنفِّذًا للسياسات التي يضعها المرشد على المستويين الداخلي والخارجي.
وفي النهاية، ربما يمكن القول إن الانتقادات القوية التي وجهها أحمدي نجاد قد تمثل مرحلة جديدة سوف تشهد تصاعدًا في حدة الصراع السياسي داخل إيران على ضوء الأزمة الاقتصادية التي تشهدها إيران والتي كانت العقوبات الاميركية الجديدة أحد أهم المتغيرات التي تسببت في تفاقمها ووصولها إلى مرحلة حرجة.

عن «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»،

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة