إجراءات القضاء على الفساد

في الأيام الأخيرة لحكومته، ونتيجة للضغط الشعبي المتمثل بالتظاهرات التي شهدتها محافظات الوسط والجنوب، قرر السيد رئيس الوزراء، اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تهدف الى القضاء على الفساد، واحالة المفسدين الى الجهات المختصة لينالوا جزاءهم العادل.
وأول تلك الإجراءات تمثلت بسحب يد المسؤولين المتلكئين، وإعلان قائمة تشمل أسماء الفاسدين. ولا شك ان أي اجراء يقوم به رئيس الوزراء او أي مسؤول غيره، لابد وان يجد نصا قانونيا يستند عليه. فبخصوص سحب اليد، وهو الاجراء الوحيد المتاح لرئيس الوزراء للتعامل مع وزرائه، وذلك لأن الدستور في المادة 78 لم يمنحه صلاحية اقالة الوزراء، الا بعد اخذ موافقة مجلس النواب، لذلك فإنه لجأ الى اجراء سحب اليد الذي نصت عليه المادة 17 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم14 لسنة 1990.
وهذا المادة تشير الى احقية الوزير او رئيس الدائرة سحب يد الموظف مدة لا تتجاوز 60 يوما، اذا تراءى له ان بقاءه في الوظيفة مضر بالمصلحة العامة، او قد يؤثر على سير التحقيق في الفعل الذي احيل من اجله على التحقيق، ويعاد الى وظيفته نفسها بعد انتهاء المدة المذكورة، الا اذا كان هنالك محذور، فينسب الى وظيفة أخرى.
فسحب اليد ليس معناه الإحالة الى المحاكم، او ان الموظف الذي سحبت يده من الوظيفة فاسد حتما، اذ نصت المواد 18 و19 على اجراء تحقيق مع الموظف الذي سحبت يده، ولن تشر الى احالته الى المحاكم. لهذا فإن الخطوة التالية لسحب اليد، هي اجراء التحقيق مع الذين سحبت يدهم من الوظيفة، علما ان مدة سحب اليد شهرين فقط، بعدها يمكن للموظف الرجوع الى وظيفته، الا اذا كان هنالك محذور! فينسب الى وظيفة أخرى. بمعنى ان هذا الموظف يرجع الى وظيفته سواء وجدت اللجنة التحقيقية ما يدينه ام لم تجد.
وبغض النظر عن مدى شمول الوزير بهذه المادة، حيث انها اشترطت ان يكون سحب اليد من قبل الوزير او رئيس الدائرة، والسيد رئيس الوزراء يمكن ان ينطبق عليه وصف رئيس الدائرة، لكن، هل ينطبق وصف الموظف على الوزير؟ فإن محاسبة الوزراء يجب ان تستند الى ما رسمه الدستور من آليات قانونية، والا فإن أي اجراء يتخذه رئيس الوزراء غير قانوني.
وبالعودة الى الدستور، نجد ان المادة 93 ف6 ذكرت ان من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون! بمعنى انه لا يمكن ان يتخذ أي اجراء بحق أي وزير، الا بموجب قانون، وتكون المحكمة الاتحادية هي الجهة المختصة حصرا بالنظر في أي اتهام موجه له. ولعدم وجود قانون ينظم هذه الحالة، اذ ان قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 لم يشر الى هذه الحالة، وحتى مشروع قانون المحكمة الاتحادية لم ينص على آلية لمحاسبة الوزراء، لذا فإن الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء والتي لاقت ترحيبا رسميا وشعبيا واسعا، لا يمكنها ان تنال من أي وزير وفي حالة تم اتخاذ اجراء ضده، فبإمكانه ان يطعن به، وسوف يقبل طعنه، لأنه لا يوجد نص قانوني يحدد الآلية التي تتم من خلالها محاسبته، الا في حالة تشريع قانون خاص من قبل مجلس النواب!
سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة