جمال أمين: أسوأ ما قدّم من أفلام في مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية

السينما العراقية في أزمة حقيقية
حاوره سمير خليل:

السينما العراقية، هموم وأحلام وآمال، أن تقف على أرض صلبة، كي تعود صورة إبداعية راقية.
السينما العراقية التي كنا نتباهى بها فنا وافكارا ورؤى، صارت اليوم تبكي ماض جميل، وتاريخ حافل بأفلام رصينة، توالت على مدى عقود بداية من فيلم ابن الشرق إخراج ابراهيم حلمي عام 1946 لتتجاوز المائة فيلم، ثم توقف نهر السينما لأسباب عديدة.
وللحديث عن هموم السينما العراقية حاورت (الصباح الجديد) السينمائي المغترب الفنان المبدع جمال أمين، للحديث عن واقع السينما العراقية وسبل النهوض بها، لنسأله أولا: برأيك .. هل تعيش السينما العراقية في أزمة؟ ويجيبنا:
صناعة السينما في العراق تعيش أزمة حقيقية، وذلك لافتقادها مقومات قيام سينما حقيقية، اهمها المنتج المستثمر، او المنتج الحكومي، وكذلك عدم وجود بنية تحتية لاهم اقسام صناعة الفيلم، على سبيل المثال الديكور، والمكياج، والخدع، والاستوديوهات، وتصحيح الألوان، والمونتاج، والاهم من هذا السيناريو، كذلك لدينا مشكلة عويصة جدا تتمثل بالتسويق، وهذا الموضوع يعد اكبر محطم لآمال المنتج او الفنان، لأننا لا نجيد تسويق اي منتج فني عراقي واهمها السينما، اذن عزيزي نحن في ازمة حقيقية، وكما هو معروف فان السينما صناعة، والصناعة بحاجة الى رأس مال واساليب لكيفية العمل على استثمار رأس المال في مفردات اي صناعة.
ويتابع: كثيرا ما نسمع عن انتاج افلام قصيرة، وكثيرة هذه الأفلام، كلها من انتاج الشباب انفسهم، اي لا توجد مؤسسة تنتج لهم عدا بعض القنوات مثل قناة كربلاء الفضائية، عدا ذلك، هنالك انتاج افلام روائية خارج العراق، وهذه الافلام تنتج من خلال عدة مؤسسات، ودول مانحة، وهنا يأتي دور المانح في انتاج ما يراه مناسبا له، او ما يراه مهما لأفكاره، اي انهم لا ينتجون كل شيء، هناك مؤسسة في العراق تعد من منظمات المجتمع المدني، وهذه كذبة كبيرة، لأنها مؤسسة خاصة لأخوين استطاعا ان يقفا على مبالغ خيالية في البنوك، لاستغلالهم مجموعة من الشباب المتحمس، ولكن الارباح كلها لهم، اعتقد ان هذا يكفي كي نقول ان صناعة السينما في العراق تمر بأزمة، وهي انعكاس لما يمر به البلد من فساد كبير على كل الاصعدة». *

كيف يمكن النهوض بسينما عراقية تحاكي نظيرتها العربية او العالمية ؟
-كي ننهض، يجب ان نعمل على عدة مستويات أهمها، ان يكون لنا صندوق دعم السينما يعمل على دعم الفيلم بغض النظر عن المحاصصة والوساطات، وكذلك يجب ان يؤسس قانون يعد السينما صناعة كي يقوم البنك الصناعي، او بقية البنوك بمنح قروض الإنتاج، وكذلك يجب ان تكون لنا شركة توزيع سينمائي نستطيع من خلالها تسويق الفيلم كي نسترد رأس المال. هذه اقتراحات سريعة جدا، لان الموضوع يحتاج الى الكثير من المقترحات كي ننهض بصناعة الفيلم، لدي اقتراح آخر يتمثل بالغاء الارتباط مع المسرح، وعمل مؤسسة قائمة بذاتها للإنتاج السينمائي، ويجب ان لا تقوم بتعيين اي مخرج او فني اخر، وانما تكون مؤسسة استشارية تمويلية تقوم بالمساهمة بإنتاج الافلام، كما يجب ان نعمل على اقامة مهرجانات سينمائية احترافية، تعمل على استقطاب صناع السينما الى العراق، وفتح افاق كثيرة للتعاون.

السينمائي العراقي في الخارج ..هل يملك مساحة اكبر للإبداع عما عليه في الوطن؟
– السينمائي العراقي الذي يعمل خارج العراق لديه مشكلة كبيرة في انتاج فيلم يتناول الشأن العراقي، حيث اننا نعيش في أوروبا، واذا ما اردت ان تقوم بإنتاج فيلم عراقي عن العراق، او ما يعانيه البلد، ستلاقي صعوبة بالغة جدا في ايجاد منتج، او فني، او ممثل يأتي معك الى العراق، ما يضطرك ان تبحث عن بدائل، والبدائل اغلبها فاشلة، العراق عبارة عن ستوديو كبير، والعراق يملك جغرافية منوعة وارضية ساخنة للأحداث، ويمتلك بيئة خاصة، كل هذه الاشياء لا تستطيع ان تقوم بعمل ديكور لها، ويجب عليك ان تأتي الى العراق وتصور هناك، وهذا مالا يقبل به اغلب المنتجين والفنيين، ولذلك نقوم بإنتاج افلام تتناول العراقيين الذين يعيشون في المهجر، ومعالجة قضاياهم، كما فعلت انا بأغلب افلامي، اما اذا كنت تعني باننا نملك مساحة للحرية في التعبير، فهذه نكتة كبيرة، واعني ان في العراق هنالك حرية كبيرة في التصوير، وتصوير اي شيء، وبأي طريقة، وهنالك الكثير من الشباب قاموا بتصوير افلام تناولوا فيها مواضيع تعد ممنوعة، وذهبوا بها الى الكثير من المهرجانات مستغلين الفوضى العارمة، وعدم وجود رقابة، ولا توجد هناك اجازة للتصوير، اما في الغرب، نعم تستطيع ان تصور اي شيء، لكن ماذا تصور سوى بعض الناس الذين قد يدعون اشياء غير حقيقية، وغير واقعية، ان العراق هو الاستوديو الكبير، وهناك تسمع وترى الحقائق بأجمل واتعس واقسى صورها».

السينما العراقية في الغربة ..هل اثبتت وجودها ؟ وما رأيك بالمخرجين العراقيين العاملين في الخارج؟
السينما في الخارج سينما غير منظمة، او مؤسساتية، بل انها تجارب تعتمد على الفرص التي يحصل عليها المخرجين الذين يحملون جنسيات متعددة، والمخرجين ينتجون افلام قصيرة وطويلة بالتعاون مع بعض الشركات، او يحصلون على بعض المساعدات من المهرجانات لغرض التطوير، او تكملة جزء من الفيلم، المخرج العراقي ليس سوبر مخرج بل هو يسعى ويكدح كي يحصل على فرصة، واغلب الفرص تعمل حسب شروط المانحين، نعم لدينا مخرجين قاموا بإنتاج افلام طويلة وبميزانيات كبيرة، ولكن تبقى هذه التجربة ذاتية، او تتبع بلد المخرج المغترب، فلا تشكل ملامح لسينما عراقية مثل السينما الايرانية مثلا، هنالك بعض الشخصيات من اليسار العراقي تعيش في المهجر، تشكل كارتل يتعاون فيما بينهم ورافضين اي مخرج خارج نطاق الشللية لهم، فهم يساعدون بعضهم البعض، ويدعون بعضهم بعض الى المهرجانات، ويمنحون بعضهم بعض المساعدات من الاماكن التي يعملون فيها، انهم منظمة حزبية اكثر مما تكون حركة سينمائية، حتى انك عندما تراهم في المهرجانات لا يعملون على اللقاء بك، ولا حتى يلقون التحية عليك، كأنهم منظمة سرية تعمل لحسابها الخاص، التجربة بها لوعة كبيرة، وانا اعمل بذاتي، واعتمد على انتاج افلامي من خلال شركتي «فن الفيلم» بميزانيات قليلة، لكني في النهاية اقوم بمعالجة المواضيع العراقية التي اراها مهمة.

طوال غربتك هل اتيحت لك الفرصة للمشاركة في فيلم عراقي، او اجنبي؟ متى ومع من؟
– نعم، لقد قمت بإخراج وانتاج عشرة افلام سينمائية، وهي انتاج مشترك مع شركات دنماركية، كما قمت ببطولة فيلمين هما صائد الأضواء، وهاملت 3-3-58 وهذه الافلام من اخراج محمد توفيق، وقد صورت بالكامل في الدنمارك، كما عملت على اضافة التعليق باللغة العربية الى فيلم الاوديسا العراقية للمخرج سمير جمال الدين، وكان العمل في سويسرا. لدي افلام اغلبها تتناول الجيل الثاني من المهاجرين وقضايا الحروب، وانعكاساتها على المهاجرين من «فايروس»، و»اللقالق» و»قطع غيار» و»جبار» و»ياسين يغني» و»العتمة الأبدية» وغيرها من الافلام التي قمت بإنتاجها بالتعاون مع الدنمارك وبريطانيا».

ما هو انطباعك عما أنتج من افلام في مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية؟
اسوأ ما تم انتاجه من افلام سينمائية في العراق، ما أنتج في بغداد عاصمة الثقافة العربية، انها تجارب غير مهمة، وغير ناضجة بالشكل الفني، اغلبها منحت الى مخرجين بطرق متعددة، وقسم منهم عن طريق الرشوة، والبعض الاخر اخذ الافلام من خلال زوجته، او صديقته او بطرق أخرى. الموضوع عبارة عن مجموعة منتفعة قاموا بالانقضاض على هذا المشروع، وبعض الافلام ذهبت الى اناس لا يستحقونها، اننا واقصد الفنانين، لا نخلي أنفسنا من مسؤولية خراب العراق، لان الفنان جزء اساسي من هذا الخراب، مع الاسف انهم اناس غير مؤهلين بمسميات فنية، مخرج، وممثل، ومصور، وسيناريست وهكذا». *

هل تعتقد بوجود مخرجين سينمائيين عراقيين اليوم؟ من هم؟
-نعم هنالك جيل من الشباب الرائع سينهض بصناعة السينما في العراق، وهنالك اسماء كثيرة أخشى ان أنسي أحدهم، وعلى سبيل المثال ملاك عبد علي، ولؤي فاضل، وايمن الشطري، ومهند حيال، وسعد العصامي، واسامة خيرالله، ويحيى العلاق، واحمد الدراجي، والكثير من الذين لا تحضرني أسمائهم، واعتذر عن ذلك».

هل يمكن ان تحدثنا عن فيلمك «بيوت في ذلك الزقاق» ؟ما لذي شكلت عندك تلك التجربة ؟
– تجربتي في فيلم بيوت في ذلك الزقاق، تجربة اعدها كبيرة جدا، نظرا لان الفيلم يعد من الافلام المهمة في العراق، وثانيا لأني عند التصوير، كنت بعمر 17 سنة وطالب مرحلة اولى في معهد الفنون الجميلة، كل هذه الاسباب جعلتني افكر بطريقة مختلفة عن اقراني من الطلبة، حيث اصبحت اشعر نوعا ما بانني محترف، اذ قمت بالتمثيل في عدة افلام سينمائية أخرى، اوصلتني الى مرحلة النجومية في تلك الفترة. فيلم بيوت في ذلك الزقاق، علمني السينما بشكلها الحقيقي لأنها كانت دروس عملية ولمد ستة اشهر، من فترة الصباح الى المساء، مما جعلني على دراية بأسرار صناعة الفيلم، وانا شاب يافع. ان العمل مع مدير تصوير مثل حاتم حسين، او المونتاج مع احمد متولي، او التمثيل مع مكي البدري، وسعدية الزيدي، أثر كثيرا بشخصيتي. انا محظوظ جدا ان اختارني المخرج الكبير قاسم حول لتجسيد شخصية سالم التي كتبها الكبير جاسم المطير، وهذه التجربة منحتني الثقة الكبيرة كي اقفز قفزة كبيرة أخرى، وهي ان ادرس الإخراج، واعمل مخرجا وانا بعمر 24 سنة في الكويت، وعملت مخرجا محترفا في أحد اهم الشركات الكويتية الا وهي شركة النورس للانتاج الفني».
الفنان جمال امين يملك تاريخا وتجربة فنية متميزان، فقد جسد أحد ادوار البطولة في فيلم (بيوت في ذلك الزقاق)، وهو طالب في معهد الفنون الجميلة، ثم مثل في فيلم (اللوحة)، و(البندول)، و(تحت سماء واحدة)، كما مثل في المسلسل التلفازي المشهور (الذئب وعيون المدينة).
في الكويت عمل مخرجا في اهم الشركات الكويتية، (النور)، و(البيت الاعلامي)، للراحل زهير الدجيلي، وقام بعمل اكثر من 40 فيلما وثائقيا، واغنية لحساب شركة الوتر للإنتاج الفني، وعمل في مسرحيتين هما (الطنطل يضحك) مع منصور المنصور، و(احمد والاسود) مع عبد المحسن الخلفان، كما اخرج سهرة تلفازية بعنوان (الهيروي).
في الاردن قام بإخراج عشر حلقات من برنامج مسابقات عربية، مشابه للبرنامج الاجنبي الشهير (تلي ماتش)، وحصل على الجائزة الفضية عام 1997 في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، كما حصل عام 2015 على الاوسكار الذهبي لبطولة فيلم (الكعكة الصفراء) من مهرجان ماك في البرازيل، وحصل على جائزة أفضل ممثل عربي عن الفيلم نفسه في مهرجان القدس السينمائي الدولي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة