أسعد عرابي
يقتصر معرض عمران يونس (في غاليري أوربيا) على ست لوحات تربيعية المساحة بقياس رحب 150×150 سم. شُحنت مباشرة من محترفه الدمشقي ملتهبة العاطفة تحل محل مائة لوحة، طازجة الزعيق، ولهذا وضع للمعرض عنواناً هو “صرخة”. صرخة خرجت لتوّها من أتون جحيم القيامة الشامية، فتحوّلت إلى براكين هائجة من الخطوط والألوان ذات العويل الحدادي المستديم.
أما “طبوغرافية” أو نسق التكوينات الفراغية داخل المربّع فهي أشدّ عملقة انفجارية من هذا القياس، لأنها تتطابق “ديناميكياً” مع المحور الذي يصل بين أقصى الزوايا المتباعدة بحيث تبدو أشباحه المائلة متحررة من الجاذبية الأرضية، لكنّها محنطة في اتصالها المشيمي بتابوت رمزي يرفل في أردية الجلادين، هي التي تحاصر ما بقي من بقعة ضوء برتقالية. نتف من أجساد مثخنة بالجراح والتشظّي العضوي، مدفونة ضمن قبور من معاطف ملتبسة تذكر بأسماء تعبيرية ألمانية، على غرار قهر محفورات كاتي كولفيتز وحشرجة لوحات بازلتز المقلوبة، وعزلوية تضاريس الأنا في مرآة مروان قصاب باشي ثم رفع “الحواجز” بين عالم القبور والمدينة الحية لدى القاصّ السوري زكريا تامر وهكذا، تمثّل إذن تراكماً من ذاكرة الزمن النسبي لا ينضب معينه.
يستجيب منهج هذا الأداء التلقائي إلى بكارة وحيوية وحدة تعبير ما يعتلج في حريقه الداخلي. لو كتب عن لوحاته الشاعر الأكبر المتنبي لاقتصر على استرجاع بيته الشائع: “… فؤادي في غشاء من نبال، فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال”.
يقع زمان العرض ما بين السادس والعشرين من حزيران/ يونيو، والثالث من آب/ أغسطس 2018. فاتني ذكر موقع ولادته في الحسكة شمال سورية عام 1971. يقيم محترفه في دمشق منذ تخرجه من كلية فنون جامعة دمشق عام 1988، هو المعرض الثاني في نفس الصالة، الأول كان عام 2014، بدأ عروضه في الدوحة إلى جانب فنانين معروفين من أمثال ضياء العزاوي ومنى حاطوم ويوسف نبيل. من الجدير بالذكر أن بيروقراطية وزارة الداخلية الفرنسية (برفض منحه الفيزا) حرمته من فرصة مرافقة معرضه، ولقاء من كانوا متلهفين للقائه واستقباله.
معرض كابوسي محتدم الأداء، ليس كبقية المعارض، فليس من السهل نسيان صوت صرخته المدوية وبلغة تشكيلية مزلزلة تحمل معها هدير القصف المستديم وقرع طبول همجية الحرب الانتحارية من دون أدنى أمل بإيقاف نزيفها، وأكفان أطفالها ومستضعفيها.