لماذا نكذب؟

يحصل أن نكذب عندما نكون تحت الضغط، أو حين لا نرغب إعلام أحبتنا عن حقيقة تؤلمهم، أو من أجل اصلاح العلاقة بين زوجين أو صديقين متخاصمين، أو للخروج من مأزق.
حتى الأطفال يكذبون إذا ما شعروا أنهم سيعاقبون..
ويمكن فهم وتفهم هذه الدوافع، والتعاطف معها أمر ذو قيمة، لكن أن نكذب معظم الوقت، ونجعل غرائزنا تطغى على سلوكنا يعني أننا مرضى نحتاج أن نعرض أنفسنا على أقرب مستشفى للأمراض النفسية.
يدهشني بعض الناس الذين اعتادوا على الكذب، وكيف يفعلون ذلك حتى عندما لا يكون هناك غرض واضح، وأن أكاذيبهم يمكن أن تكتشف ويثبت بطلانها بسهولة.
لقد وضعتني ظروف الحياة والعمل وجها لوجه مع عدد من هؤلاء الأشخاص، ومن خلال متابعتي لهم اكتسبت شيئاً من الخبرة والبصيرة حول سلوكهم وطريقة تفكيرهم. وصدقوا أو لا تصدقوا، إن الكذب عندهم مهم للغاية، وبواسطته يحاولون السيطرة على المواقف، وممارسة التأثير للحصول على القرارات وردود الأفعال التي يريدونها.
ووجدت بين هؤلاء من لا يريدون أن يخيبوا ظن أحد، فيجاملون ويتملقون ويمدحون دون أن يشعروا بالقلق من احتمال فقدان احترام من حولهم. انهم يريدون منك أن تحبهم، وأن تعجب بهم، وتقدر لهم أكاذيبهم الرخيصة المفضوحة، لأن قول الحقيقة قد تقودك إلى رفضهم.
بالطبع، لا يوجد أحد يرفض من يقدر فيه أفضل صفاته التي يعتز بها، ولدينا جميعاً صفات تجذب الآخرين إلينا مثل اللطف أو الكرم أو الذكاء أو الحكمة أو الظرف أو المواصفات البدنية، لكن من المفيد معرفة كيف يمكن التعبير عنها، لأن من الطبيعي أيضاً أن تكون لدينا صفات شخصية ليست جيدة أو غير مقبولة.
وتتضخم الأكاذيب في حال وجود سلطة أو مال أو مكانة عالية، فكل كذبة تحتاج لتغطية بكذبة، وهذه الكذبة لابد لها من واحدة أخرى تغطيها.. وهكذا تكبر، وتكبر، حتى تصبح مثل كرة الثلج.
وثمة من يراه الآخرون شخصاً يتمتع بمعايير أخلاقية عالية، ولا يريدون الاعتراف بإخفاقاتهم حتى الصغيرة منها والتي نشترك فيها جميعاً، فيميلون إلى الكذب عليه طالما يفتقدون هذه المعايير.
إن قدراتنا اللغوية مبنية على إفتراض الصدق، ونحن نوافق على أن الكلمات التي نستخدمها تعني نفس الشيء باستمرار فلا نستخدم كلمات مخادعة لأن هذا من شأنه أن يجعل تواصل الأفكار مستحيلاً، وعندها تبرز الأكاذيب بشكل كبير وتفتضح خصوصاً حين تكون صارخة للغاية، لأنها تتجاوز حدود التعبير اللغوية عن الحقيقة.
عندما نقول الحقيقة ونعيشها، نصبح أقوى عاطفياً وروحياً…
فريال حسين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة