المرأة في نصوص الجواهري.. وقفات مع أبرز نصوصه

حذام يوسف

“الشعراء الكبار عشاق كبار” هذه الجملة كانت بداية الحديث مع الشاعر البابلي حامد خضير الشمري، ونحن نتحدث عن الجواهري لكن من زاوية أخرى بعيدة عن نضاله السياسية وغربته وما يتعلق بها، حديثنا كان عن المرأة في حياة ونصوص الجواهري الكبير، ويؤكد الشمري كلامه ويقول” لا أحد يشك في أن الشعراء الكبار عشاق كبار، فلولا هذا العشق الجامح، والعاطفة المتوقدة، لما جاءت قصائدهم، الغزلية في الأقل، بهذا الدفق الآسر الذي يهذب النفوس ويسمو بها إلى مصاف الملائكة، وشاعر عظيم مثل الجواهري لابد ان يكون أروع مثال إلى ما ذهبنا إليه.
من يطلع على دواوين الجواهري ، ومختاراته التي كان ينشرها في الصحف والمجلات يدرك أن الحب كان الحافز الأعظم في تلك القصائد حتى السياسية منها، تغزل الجواهري بالمرأة فأبدع وكانت هي الوطن الحميم الذي يأوي إليه، المرأة والكأس رفيقاه الدائمان منذ أن خلع عمامة رجل الدين وافرد جناحيه في فضاء الروح.
ولعل من أروع ما كتبه الجواهري عن المرأة وانحيازه الكلي لها تلك القصيدة التي حاور بها، ورد فيها على وزير الداخلية صالح مهدي عماش حين اتخذ قرارا تعسفيا في حينه وهو صبغ سيقان الفتيات اللواتي كن يرتدين الفساتين القصيرة التي تظهر مفاتنهن، وكان عماش رحمه الله شاعرا مبدعا أيضا، وجرت بين الشاعرين مساجلة جميلة توجها الجواهري ببيت شعر رائع :
وأرى الجنان إذا خلت منهن أولى أن تعافا
وقد أربكت قصيدة الجواهري الوضع لأن صوته كان مدويا في العراق وغيره مما دفع الحكومة العراقية إلى إلغاء هذا القرار والاعتذار للشاعر والشعب وأكد عماش إنه ” خطأ تلافى ” وعادت بعدها صبايا بغداد وفاتناتها إلى سبي قلوب العاشقين واغوائهم بالتفاحة التي أخرجت أباهم آدم من جنته.
في دواوين الجواهري العظيم قصائد غزل بنساء أجنبيات ذكرهن بأسمائهن وأخريات لمح لهن، كان عفيف التغزل في بعض ما كتب، جريئا في غيره.
الشعراء الذين لا يتغزلون لا يمنحهم الشعر حق الدخول إلى مملكته الرحيبة “.
الكتابة عن الجواهري، وعن نضاله وتجواله في غربته ممكن جدا، وقد كتب عنه الكثير من الادباء والصحفيين، لكن موضوع المرأة لم يأخذ حقه في الاعلام، والجواهري مثلما هو شاعر كبير ومرجع لعدد كبير من الشعراء، هو كذلك عاشق، لكل الجمال بالحياة، هو لم يقع في الحب مثل غيره، هو وقع في حب حروف عاشقة مالت به بين عدة زوايا فكانت نصوصه وثيقة تؤرخ لمرحلة من حياته غزلا وعشقا لايقبل التأويل، وعلى لسان العشاق يقول:
وتمشت مهتاجة.. يتمشى العجب
والحسن في الدماء غزيراً
نحو حمامها ترى من خلال الماء.. فيه
ما سيستثير الغرورا.!
جسمها اللدن.. والغدائر تنساب
كما أرخت العذاري ستوراً!
وخرير المياه في السمع كالقبلة..حرانة
تهيجُ الشعورا
عبدت نفسها.. فداعبت النهدين بالشَعْرِ
غبطةً وحبورا .!
ورغم انه حذر من وقوعه في حب الغواني، وينتقي نجمات قلبه مثلما ينتقي حروف قصيدته، لكنه يقع اسيرا لسحر النهود ودلال الغواني الذي يشعل النار في قلب الرجل، فيصف في قصيدته ( افروديت) جمال الغواني:
إذ ليالي الجليل…
رمز الحياة
عطرات بمدرج الفتيات
في ضفاف (( البحيرة)) النشوانة
ترتمي في نميرها حرانة
كلَّ عذراء…
وردةٍ معطاف
يتساقطن موقع الاصداف
وعليهن من نمير صاف
أي ستر مهلهلٍ…
(( كشاف))؟!
إذ حقول الجليل مرتميات
بقدوم الربيع محتفيات
يتضاحكن في مَدَبَ الشعاع
راجفاً فوقها ارتجاف ((اليراع))
إذ غدا الجو من أريج المراعي
خدر النساء من بنات الغرام
سابحاً…
في العطور و ((الانعام )).
للجواهري مواقف من قضايا مجتمعه وتحديدا قضايا المرأة، فقبل ستة وأربعين عاماً، وفي الثامن من آذار عام 1962، ألقى الجواهري قصيدته الاشهر التي كتبها للمرأة فكانت اجمل تحية وتقدير لها في عيدها وقد ترددت تلك القصيدة على لسان العراقيين داخل العراق وخارجه لمناسبة يوم المرأة العالمي، فكتبها بـ (35) بيتاً، فكانت بمثابة اعلان لتأييده للمرأة في العالم، ولوقوفه معها أماً وزوجة وشقيقة وبنتاً وحبيبة:

حيَّيتهُنَّ بعيدِهنّة من بيضهِنَّ وسُودِهنّه
وحمِدتُ شعريَ أن يروحَ قلائداً لعُقودِهنّه
نَغَمُ القصيدِ قبسته من نغمةٍ لوليدهِنّه
كم بسمةٍ ليّ لم تكن ، لولا افترارُ نَضيدِهنّه
ويتيمةٍ ليَ صغتها من دمعةٍ بخدودهنّه
* * *
إنـّـا وكلُّ جهودنا للخير رهنُ جُهودِهنّه
وصمودُنا في النائباتِ مَرَدُّه لصمودهنّه
بنحوسِهنّ نحوسُنا ، وسعودُنا بسعودهنّه
التضحياتُ الغرُّ صنعُ شُموخهن وجُودهنّه
* * *
قالوا “الشهيدُ” فقلت: ويحَ ثواكل ٍ بوحيدهنّه
حُملنه تِسعاً وخِطنَ عليه سُمرَ جلودهنّه
أوجدْنَه وفدّينَه خوفَ الردى بوجودِهِنّه
لله أيّةُ رِقةٍ وقساوةٍ في عودهنّه
عمَّرننا بجهودهنه وهدمننا بصدودهنّه
خوفَ التناقض – لا أُلمَّحُ – عن سراب وعودهنّه
أنا أختشي منهنَّ فالسلطانُ عبدُ عبيدهنّه
زِنَّ الحياةَ بوعدِهنَّ وشِنَّها بوعيدهنّه
إني وإن سامرتهنّه ، وغَمَزتُ من أُملودهنّه
فلرُبَّما ليل ٍ سهرتُ مؤرّقا لبريدهنّه
كم فتنةٍ لقديمهنَّ ، ورثنها بجديدهنّه
الموت لَصقُ جُلودهنّه … والنارُ تحت جَليدهنّه
* * *
حييتُهنَّ بعيدِهنَّ … ولممتُ شملَ عديدهنّه
وحشدتُ أحسنَ ما استطعتُ ، أزُفُّهُ لحشُودهنّه
منهنّ مَحْضُ العاطفات ِ فهنَّ مَحْضُ قصيدهنّه
وقبست من سجعِ الحمام ِ ، الرجعَ ، من تغريدهنّه
السيداتُ الآنساتُ فقلْ بحالِ مَسُودهنّه
الجواهري تزوج مرتين، المرة الاولى كانت من ابنة عمه مناهل التي انجبت له أميرة وفرات وفلاح، كانت علاقة حب من اجمل ماسمعنا وقرأنا عن قصص الحب، وقد كتب بها قصيدة رثاء عام 1939، حين توفيت رحمها الله :” قد يقتل المرء من احبابه، بعدوا عنه، فكيف بمن أحبابه فُقدوا”، وبعد وفاة “مناهل” تزوج الجواهري من اختها “أمونه” وأنجبت له: نجاح وكفاح وخيال وظلال :” إني وعينيك لا امنى بداجية، إلا وانت لي الاصبح والفلقُ.

أعلن الجواهري عن قصص الحب التي مر بها من خلال قصائده التي تغنت بهن، في أكثر من قصيدة وقطعة وبيت، فكتب عن حبيته الفرنسية انيتا أكثر من قصيدة نهاية الاربعينيات ومنها:
“أنى وجدت “انيتا” لاح يهزني طيف لوجهك رائع القسمات
ألق “الجبين” أكاد أمسح سطحه، بفمي، وأنشق عطره بشذاتي” فكانت المحطة الابرز في حياته كعلاقة حب اثرت به، وهذا ما اشار له شخصيا في لقاءاته:
ان وجه الدجى “انيتا” تجلى …عن صباح من مقلتيك أطلا
وكأن النجوم القين ظلا…في غدير مرقرق ضحضاح
بين عينيك نهبة للرياح…ورياض المروج اهدتك طلا
رشفة مج عطرها وتولى…حيث هذا الرأس الجميل تدلى
ومن ابرز ما كتبه عن فراقه لحبيبته انيتا الفرنسية:
(ههنا، ههنا، مكانُكِ أمسِ
ههنا، مسّ أمسِ رأسُكِ رأسي
ههنا أمسِ، أمسِ، ذوّبتُ نفسي
في يبيسٍ من الشفاهِ الظّوامي
تتساقى مِن القلوب الدّوامي)
و….
(رفّ جُنْحُ الدّجى ((أنيتُ)) عَليّا
رفّةً خِلتُ وَقْعَها في عظامي
كان أحنى، وكان أشهى إليّا
لو طَواني عنه جَناحُ الحِمامِ
لو تعوّضتُ ثَمّ عن مُقلتيّا
مُقلَتيْ هانِىءٍ تعرّى فناما
و تناسى اللّذاتِ والآلاما)

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة