د. محمد البندوري
– قراءة في العتبة: بغض النظر عن جانب الشكل الذي يظهر فيه عنوان هذا الكتاب قويا في بروزه بينما نجد اسم المؤلف صغير الحجم في أسفل الغلاف دالا على نكران الذات على عكس ما هو وارد في أغلب الكتب التي تجد فيها اسم المؤلف طاغ على العنوان. هذا ناهيك عن الألوان المستعملة في الغلاف والتي لها دلالات، وتوحي بالكثير. إلا أنه من حيث المضمون فإن العنوان يكتسي أهمية وبعدا أساسيا في الدراسات الأكاديمية، حيث يكون العنوان أحيانا أكبر من الموضوع، وأحيانا أخرى يكون الموضوع أكبر من العنوان، وهو ما يجعل التساؤل يطرح إزاء هذا الكتاب:
هل العنوان الذي بين أيدينا أكبر من الموضوع أم إن الموضوع أكبر من العنوان؟
أم أن هناك توازنا بين الموضوع والعنوان؟
العنوان الذي نحن بصدده يحتوي مكونين أساسيين، يتجلى الأول في إشكالية الخطاب العلمي والثاني في النقد الأدبي العربي المعاصر.
وهو ما يجعلنا نلمس بأن هناك خطابا علميا يبحث عنه الكاتب في النقد الأدبي. إذ أن العنوان يحاول تجاوز الانطباعية والذوقية في النقد الأدبي العربي ليبحث فيه عن أسس الخطاب العلمي.
هذا الأخير الذي يقصد به الكاتب كل حديث يستبطن أو يعتمد العلم بنظرياته ومفاهيمه ومناهجه ومصطلحاته لإكساب نفسه الموضوع الذي يتحدث عنه طابع العلم.. (حسب تعبير الكاتب).
إلا أن العنوان لا يجزم بهذا الحضور العلمي ويعتبره إشكاليا، والإشكالية حسب تحديد المؤلف، مصطلح يوحي بالإشكال والاستعصاء على الحل..
2 – المقدمة:
إن إشكالية إكساب النقد الأدبي طابعا علميا أدت إلى نسقين متمايزين هما:
– إمكانية إكساب النقد الأدبي الطابع العلمي في ارتباط يسعى كافة الحقول المعرفية والثقافية المتوخية لدرجة العلمية.
– ثم إمكانية إنتاج معرفة علمية بالأدب.
إحدى دراسته انفتحت على أزمنة نقدية عربية وغربية، حيث عرضت لاستطلاع آراء النقاد العرب القدامى، وبينت بأن جهودهم دعت إلى تقليص حدود الانطباعات والتأثرات في دراسة الشعر وإخضاعها إلى محاكمة منطقية.
ولذلك رأى الدكتور عبد العزيز كسوس « بأن نجاعة النقد تكسب من جدارة الناقد الذي يمتلك سلطة علمية تؤهله للفهم وللحكم دون غيره». وقد عمل النقاد المحدثون في الفضاءين العربي والغربي على استثمار مفاهيم العلوم الإنسانية ومناهجها في دراسة الأدب بغية تحقيق علمية النقد الأدبي من جهة، وإنتاج معرفة علمية بالأدب ظاهرة ونصوصا من جهة ثانية.
ولذلك يذهب الدكتور عبد العزيز كسوس إلى أن حداثة النقد الأدبي قد ارتبطت بانفتاحه على العلوم الإنسانية، لكن هذا الانفتاح عمق من الإشكالية، وذلك أن مصداقية هذه العلوم تطرح نفسها بإلحاح في مجال العلوم، مما جعل الكثيرين يدعون إلى استقلال النقد الأدبي عن العلوم الإنسانية. إن إشكالية الخطاب العلمي في النقد الأدبي العربي المعاصر تتأسس – حسب المؤلف – في البحث عن علمية النقد الأدبي وإنتاج معرفة علمية بالظاهرة الأدبية وبتجلياتها النصية. وهما أمران قد ارتبطا بالنقد الأدبي وبالتصورات النظرية والمنهجية ليرصد الإشكالية الثلاثية الأبعاد:
3 – البعد التاريخي:
يكتسي التاريخ أهمية كبيرة في النقد؛ بحيث يمكن المتتبع من الوقوف على التيارات النظرية والمنهجية التي تؤسس للظاهرة الأدبية؛ وذلك مرورا بالإرهاصات الأولى ثم مرحلة التأسيس ووصولا إلى مرحلة النضج حيث يتبين للمتتبع الناقد معالم الممارسة النقدية والحقول التي سيقت منها الآليات والمفاهيم من أجل معالجة الظاهرة..؛ وقد سار الدكتور عبد العزيز كسوس على هذا النهج، إذ بعد محاولته التأريخ للشعرية، نجده يحاول التأريخ للنقد، ومعلوم أن الأستاذ الجليل قد بسط في كتابه : « خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث» محاولات بعض الباحثين في هذا المجال وأبدى ملاحظات هامة في هذا الصدد؛ وقد رأى الدكتور كسوس أن التاريخ يدل على البعد التراكمي للنقد الأدبي في فضاءيه العربي والغربي، ولذلك وجدناه في كتاب « إشكالية الخطاب العلمي في النقد الأدبي العربي المعاصر» يستعرض اللحظات التاريخية التي مرت منها العملية النقدية بما في ذلك اللحظة اليونانية ثم اللحظة العربية القديمة وصولا إلى اللحظة الحديثة والمعاصرة.
إن البعد الإشكالي في سؤال التاريخ يجعلنا بصدد مجموعة من التساؤلات، من قبيل:
– هل تاريخ النقد يخضع للبعد التراكمي أم لا؟
– ثم ما هي حدود التراكم في ظل اختلاف السينات الزمانية والمكانية بين اليونان والعرب والغرب؟
– أو بصيغة أكثر وضوحا: هل هذا التأريخ يجب أن يراعي الحوار بين الثقافات النقدية المختلفة؟ أن إنه يجب التركيز داخل كل بيئة على خصوصياتها النقدية؟
إن التأريخ للأدب قد طرح عدة مشاكل من قبيل العلاقة بين الأدب والتطورات أو الانتكاسات السياسية. فما هي ابعاد حضور أو غياب مثل هذا العنصر في التأريخ للنقد.
والملاحظ أن الهم المعرفي الكبير الذي ظل مسيطرا على أستاذنا – بعد مسألة التأريخ – هو الإشكالية بين النقد الأدبي والعلوم التي تقدم نفسها لمعالجة النص الأدبي، مع ما تطرحه الإشكالية من سمات بارزة أهمها المناهج والمفاهيم والآليات التي ينبغي قبولها كأساس لإضفاء الشرعية على علم الأدب، ليطرح السؤال الآتي: أي من هذه العلوم قادر على معالجة النصوص الأدبية دون الانزلاق في إيديولوجية المنهج أو المفاهيم الذاتية التي يفتخر بفعاليتها كل علم؟ تطرق الدكتور الكريم إلى ثلاثة علوم، بادئا بعلم النفس، معرفا إياه، ومحددا العلاقة بين الدراسات النفسية والنقد الأدبي ومميزا بين التحليل النفسي والنقد النفسي؛ ويرمي إلى مناهج النقد. وبعد ذلك انتقل الأستاذ الكريم إلى علم الاجتماع، ومعرفا إياه، ومحددا العلاقة بين النقد الأدبي وهذا العلم، نجد الأستاذ الفاضل يميل إلى النقد على حساب الدراسات الأدبية. كما أشار إلى مرحلتين في هذه العلاقة أولاهما مرحلة المقاربة الاجتماعية للأدب ثم مرحلة علم اجتماع الأدب إلا أن الطفرة النوعية التي بشرت بميلاد علم اجتماع الأدب ارتبطت خصوصا بورج لوكاتش وليوسبان كولدمان وميخائيل باخثين. وفي ثنايا هذا الطرح نجد الدكتور يطرح مجموعة الأسئلة من قبيل ما هي حدود حضور علم الاجتماع في النقد الأدبي، هل هو حاضر بكل نظرياته أم من خلال بعض الآليات والمفاهيم فقط؛ ويبدأ بالتحليل ليدخل إلى النقد ثم يميز بينهما. وانتقل الأستاذ الفاضل بعد ذلك إلى علم اللغة، فركز على عدة مناهج هي الأسلوبية والشكلانية والبنيوية الشعرية؛ ثم تطرق بعد ذلك إلى نظرية التلقي كمفهوم حديث لأن النقاد القدامى ظلوا مهتمين بالعلاقة بين النص والمؤلف، ولهذا عمل النقاد على إبراز مبررات الاهتمام بالمتلقي.
ومنها أن النص يكتسب صيغة الأدبية من خلال المتلقي؛ وأن كثيرا من النصوص اللغوية لم يعترف لها بالأدبية إلا عندما قرر المتلقي الاعتراف بها.
4 – البعد النظري:
وفيما يتعلق بالبعد النظري، تحدث الدكتور عن أهمية التنظير في الممارسة النقدية وخصوصا في تحديد المفاهيم والبنيات والوظائف والغايات، كما تحدث عن النقد الأدبي والفن، مبينا أن العلاقة بينهما بطبعها التركيز على الذوقية والانطباعية في مجال النقد، والحالة هاته تثير أسئلة من قبيل: كيف ينظر إلى الانطباعية في النقد الأدبي، ثم هل العلوم التي اعتمدها النقد حلت إشكالية علمية النقد أم عمقتها؟
– وهل احتفظ النقد على خصوصياته في التمييز بين طبقات الأدب أم أنه أخضع لخصوصيات العلوم الإنسانية أو بصيغة أدق خضع لأيديولوجياتها؟
كما أشار الأستاذ الجليل إلى النقد الأدبي والعلم، فتطرق إلى مشكلة العلمية في العلوم الإنسانية وهل يمكن قبولها كسند قوي لإكساب الطابع العلمي على النقد الأدبي.
وأشار أيضا إلى النقد الأدبي والأيديولوجية، حيث طرح إشكالية الأيديولوجيا في الدراسات النقدية، وتطرق إلى العلاقة بين النقد الأدبي والأيديولوجية حيث عرض وجهة نظره.
5 – البعد المنهجي:
أما فيما يخص البعد المنهجي، فقد أشار الدكتور إلى إشكالية المنهج في النقد الأدبي، ومن تحديسد العلاقة بين الناقد الأدبي والمنهج، هذا الناقد الأدبي الذي يعتبر طرفا جوهريا في المنهج النقدي بوصفه المتحكم في أسسه النظرية. فلطالما نتحدث عن مناهج الدراسات الأدبية لكن الحديث يظل قليلا عن مناهج الدراسات النقدية.
6 – الخلاصات التركيبية:
1 – يبدو أن هذه الدراسة هي في إطار إشكالية عميقة تتجلى في إشكالية الخطاب العلمي في النقد الأدبي العربي المعاصر في أبعادها التاريخية والنظرية والمنهجية.
2 – إن الكثير من الدراسات تشتغل بمجموعة مفاهيم دون تحديدها، لكن من حسنات هذه الدراسة أن جهازها المفاهيمي قوي حيث إن الكاتب يحدد مفاهيمها باستمرار.
3 – تظهر هذه التحديدات المفاهيمية في المقدمة وفي الفصول.
4 – ما نجده في العنوان نجده في الدراسة حيث إن هذه الدراسة يكتنفها بعد إشكالي.
5 – تتميز هذه الدراسة بقوة منهجية، فكل فصل يستهله الكاتب بتمهيد مؤطر ويختمه بخلاصات تركيبية، كما استهل الدراسة بمقدمة وختمها كذلك بخلاصات عامة وركز على الجانب المنهجي.
6 – الاحتفاء بالنقد الأدبي العربي المعاصر مع عرض أهم إشكالياته المنهجية.
7 – التأسيس على قيم النقد القديم اليوناني والعربي وخصوصا في الجانب التاريخي.
8 – إن عنوان هذا الكتاب كان منسجما مع ذاته فقد سيطر التناسب بين العنوان والموضوع، والحقيقة أن هذا الكتاب يمد دارس النقد الأدبي بمادة غنية جدا تجعله مطلا على عمق الإشكالية المعالجة، كما تقدم له طرحا أكاديميا في طرقة بسط القضايا وتفسيرها وتحليلها.
9 – تنوع المراجع بين المراجع العربية والمراجع الغربية.