كل المؤشرات المتاحة عن مساعي رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي تقول اننا ماضون في طريق استنساخ حكومة المحاصصة الراحلة ، والتي لا ، وربما لن يذكرها عراقي بخير . ليس حتمياً ان جميع العراقيين نادمين او آسفين على اتباعهم هوى المحاصصة . فهي قدمت لشرائح محددة منا مكاسب كبيرة ومغانم يصعب اغفال النظر عنها او تجاهل غوايتها اليوم . فالتقسيمة المفترضة في احسن احوالها ستتيح اعطاء كتل فازت بالاصوات في الإنتخابات ما تستحقه وفقاً لنظام النقاط الماكر المتبع في حساب الحقوق . هذه الإنطلاقة ستسكت من لا اصوات كثيره له من الصراخ او الإعتراض ، وربما تحريضنا نحن الضحايا من تجاهل مجموعة من القيم التي تعتبر حضارية او اكثر رقياً ، ولكن الصارخ والناقد ذاته سيتكلم غير ما نرى لو كان يجلس في موقع الكتل الكبرى .
والحقيقة اننا سنكون سعيدين كما غيرنا من المواطنين العراقيين لو نجح الدكتور العبادي وصعد الى موقع قيادة المركبة العراقية الى الأمام . فالمناخ الوطني محبط للغاية ، والبلد في وضع ملتبس عسكرياً والقوت المتوقع من المعونات العسكرية اقل مما يدعونا للتفاؤل . والميزانية الوطنية مجمدة والمؤسسات تحت عجلات السلف التي تبقيها بالكاد تتنفس ، والخلافات بيننا وبين الغقليم مجمدة او مغطاة بإنتظار نزع الستار عنها وبدء معركة مع شركائنا لا نعلم من اي سقف سينطلقون . والشركاء ” السنة ” ، نعم هكذا يتحدثون عن انفسهم وليسوا مواطنين محتجين على سوء ادارة الدولة ، السنة يريدون اطلاق سراح المعتقلين السنة واصدار عفو عام عن السنة المحكومين . والمتشددون يطلبون اطلاق سراح من اوقف منذ شهر ( اي ما بعد احتلالات داعش ” ) والمعتدلون يطالبون ب‘طلاق من امضى سنة من دون حكم قضائي .
هل ازيد ايها القارئ الكريم من تفاصيل الهوان الوطني الذي نحن فيه ؟ نعم لا تنسوا اخوتي الكرام ان جيشنا منتشر على عشر مواقع وفضائياتنا الكريمة تعزف الالحان الجنائزية للمواقع المنتظر حصول مجازر فيها او تلك التي لا تزال تجري فيها : جرح آمرلي مفتوح وجرح جلولاء مفتوح وجبال سنجار ينزف دم الابرياء الذين لا يزالون على قمته ، وفي الفلوجة لا نعرف ما الذي بيدنا وما الذي بيد الداعشيين وما الذي بيد ثوار العشائر وما الذي بيد ثوار العشائر التي ثارت على العشائر وداعش . اما جرف الصخر فحدث ولا حرج المعارك مستمرة وعدد البلدوزرات هناك اكثر من عدد الدبابات فالسواتر المديدة يجري حفرها ولتتحول المنطقة الى مربعات تراب ونخيل يتيه فيها ابن المنطقة .
لولا المقاتلين من ابناء الحشد الوطني الله يعلم ما كان سيحصل للعراق . حقيقةً نرى انهم يقاتلون ويتقدمون الصفوف في كتائب من متطوعين باركهم الله سقوا بدمائهم ارض العراق من دون رجاء او امل ..
اين نحن اذا من المطالبين بالعفو عن المحكومين والموقوفين ؟ وانا اسأل من قلب بريء ومخلص وربما ساذج سياسياً : هل ان العفو مطلب يتعين تنفيذه قبل المصالحة والمشاركة ام بعد انتهاء العملية ؟ ان ما افهمه بتجربتي المتواضعة هو ان العفو بيان ختامي بعد انجاز التفاهمات التفصيلية وضمان انخراط الجميع بعملية بناء العهد الجديد . اما ان نصدر عفواً عن الجميع قبل ان نضمن انهم لن ينطلقوا الى السلاح من جديد ويعلنوا خلافتهم الإسلامية الجديدة فهذا هو الغباء البحت .
اعيد واقول ان الشروط المطروحة على طاولة الحكومة الجديدة ليست كلها مطالب بريئة ونزيهة ولهذا نفترض ان الدكتور العبادي سيكون مضطراً لتسمية الاشياء بأسمائها لزملائه ومواجهتهم بخطاب وطني مخلص لإقناعهم بالعمل على انجاح العراق .