احتفاء الناس بطقوس العيد عادات متوارثة

طقوس وعادات من عبق الماضي ورونق الحاضر
متابعة الصباح الجديد:

يطل علينا عيد الفطر المبارك غدا، وتطل علينا الذكريات التي تهطل بغزارة من غيوم ملبدة بالأشواق الى ماض كان عنوانه البساطة فالأعياد في العراق، تقاليد وعادات وطقوس ، وذكريات تقترن، بالأفراح والمسرات وبالجديد معاً حيث ما تزال مظاهر العيد واضحة خاصة مع تحسن الأوضاع الأمنية بنحو نسبي , ومع ذلك فهناك طقوس معينة باتت مفقودة الآن وهناك اختلاف في مظاهر العيد وطعم ونكهة العيد اليوم عن العيد أيام زمان هذا ما يؤكده مواطنون يستذكرون شوارع بغداد وساحاتها القديمة بحنين وشوق وهم يقارنون بين جيلهم والجيل الحالي.
وقد اختلفت العادات بتقدم الزمن ولكن قبل أن يهل هلال العيد بأيام. تنتهي الاستعدادات وتبدأ تحضيرات أخرى لإعداد برامج العيد على وفق مواقيت لا يمكن السهو عنها أو تناسيها.
حاولنا رسم لقطات من صور كثيرة لا تفارق الذهن، عن أيام ليست قديمة جداً يمارس فيها أهالي بغداد طقوسهم في أيام العيد، اذ يبدأ العيد في العراق بعد صلاة العيد التي تقام بالجوامع في صباح اول يوم من شهر شوال.
هذا ما اكده الاكاديمي محمد سالم قائلاً : في اليوم الاخير من شهر رمضان يقف المسلمون فوق السطوح وعلى احواض المنائر لمراقبة هلال شوال وعند رؤيته يودعون رمضان قائلين (الوداع يا شهر رمضان الوداع يا شهر الطاعة والغفران) وكانوا يتسحرون بما يسمى بسحور اليتيمة حيث في ليلة العيد يتناول من كان صائما اكلاً خفيفا قبل النوم ثم يقومون بتوزيع (الفطــــــــرة ) وهي صدقة توزع على الفقراء اما نقوداً او حنطة او اقمشة وغيرها عن كل فرد من افراد العائلة حتى لو كان جنينا في بطن امه او خادماً ان كان للعائلة خادم، وقد كان البغداديون في الماضي القريب لهم طقوسهم الخاصة فتزدحم الحمامات في ليلة العيد التي كانت منتشرة في الاسواق وبنحو كبير ايام زمان اذ في السابق كانت البيوت العراقية لا تحتوي على حمامات فيتم الاستعاضة عن الحمامات بحمامات الاسواق المخصصة
الأكاديمي فرحان نجم قال: في صباح يوم العيد ينهض صغار العائلة مبكرين وامهم تعاونهم على ارتداء ملابسهم الجديدة التي كانوا قد وضعوها بالقرب من أماكن منامهم وبعضهم يضعها (جوه رأسه) أي (تحت الوسادة).
اما الرجال فينهضون مبكرين للذهاب الى الجوامع مصطحبين معهم اولادهم لأداة صلاة العيد.
يبدأ العيد في العراق بعد صلاة العيد وبعدها يذهب الكثير من العراقيون لزيارة المقابر فهي من التقاليد التي حرص العراقيون على ممارستها ،اما الصغار والصبيان فيذهبون الى محال اللهو الفرجة راكبين الحمير والكدش ( البغل) ويأنسون بالمراجيح ودولاب الهواء الخشبي والفرارات وغيرها ويأكلون لفة بيض او كبة او سميط وغير ذلك مما كان يباع في الفرجة في ذلك الوقت اذ لابد من صرف عيدياتهم «ويختتم بقوله « يبقى الحديث عن الماضي ممتعاً ويحمل في طياته ذكريات تتزين بالبساطة والتلقائية في التعامل لهذا نجد من يحاول الهرب من اثقال الحياة يجد في تذكر الماضي وسيلة للهرب «الماضي الجميل.
الماضي في العراق ما زال حاضراً بنكهته وجماله ولا بد من استذكاره ما بين الاباء والابناء والاجداد والاحفاد، وهو ما يجعل الابتسامات ترتسم حميمة، والنفوس تبتهج وتحلق الارواح في عالم الذكريات الجميلة ، اذ يستذكر العراقيون بحنين مفرط ليالي العيد وطقوسه المتنوعة ايام زمان يقول الحاج عباس عبد الحسن الذي قلب صفحات الماضي بغصة من الالم « كانت المتنزهات والسينمات المنتشرة في بغداد من اهم الوسائل الترفيهية التي تجمع العائلات العراقية كمتنزه سلمان باك ومتنزه ابو نؤاس وغيرها من المتنزهات التي تملأ العاصمة بغداد
وابو عمر استذكر مساءات العيد البغدادية بألم قائلاً: كنا نتجول بين المتنزهات وكنا حريصين على الذهاب الى السينما التي كانت منتشرة في باب الشرجي والسعدون ومنطقة الاعظمية وغيرها من المناطق والتي تحولت اليوم الى اطلالة تستفز مشاعر العراقيين بأجمل الذكريات متمنياً عودة الالق لشوارع العاصمة وهي تطرز بأزدحامات المواطنين وضجيج السيارات مثلما كانت أيام زمان بعيدًا عن لغة المفخخات والارهابيين الغربان الذين تسللوا الى الحدود العراقية محاولين سرقة أحلامنا بمستقبل زاهر وجميل لنا ولابنائنا «
صالح عبد الزهرة قال: ان العيد فرصة رائعة للمصالحة بين المتخاصمين وتنقية النفوس، قال» نجد في العيد فرصة رائعة لتدخل بين المتخاصمين ونصالحهم ونحاول جاهدين ان تلتئم ارواحهم ونزيح الاخطاء التي مضت «.
ويضيف عندما نتجول بين الجيران لمعايدتهم ونعرف ان صاحب هذه الدار له خلاف مع جاره فلا يمكن ان نتجاوزه، بل ندخل على داره ونشرب من مائه ونأكل من طعامه ولا نخرج من داره إلا بعد مصالحته مع خصمه وكنا نؤجل قضايا الصلح إلى مثل هذه المناسبة وبالطبع تكون من مسؤولية شيوخ العشيرة او الوجهاء والسادة الأشراف».

عمل الكليجة يتطلب إجازة مسبقة
لا يوجد عيد من دون عمل (الكليجة) وهي احد الحلويات المهمة التي تعد من الواجبات المهمة التي يتوجب على ربة البيت عملها فالبيت الذي لا يحتوي على ( الكليجة ) يعد متقاعساً عن اداء ما توجب عليه ،وعن كيفية صناعة الكليجة تحدثنا ام حيدر: «نهيئ صينية الكليجة التي تصَفُ بها قطع الكليجة، ومن ثم عِدة صناعة الكليجة من طحين أبيض وسمن وسمسم وجوز الهند المطحون وتمر وخميرة وحليب».
وتتابع «تبدأ النساء كلاً أمام صينيتها بتقطيع العجين ووضع الحشو بداخلها والذي عادة ما يكون قطعاً صغيرة من التمر او(اللب غراش) او السمسم، ومن ثم تصف في صينية كبيرة مدهونة بالسمن لمنع التصاق القطع بها في أثناء شوائها».
وأضافت :»نرسل (الصواني) إلى فرن حجري قريب لشواء الكليجة، لكننا الآن وفي بعض الأحياء نشويها في البيت في فرن صغير وهذا ما يفقد الاحتفال بصنع الكليجة شعبيته».
وتقول نورا عبد الحسن موظفة : « ان الاجازات تكثر قبل حلول عيد الفطر لان النساء وحسب تعبيرها مبتلاة بتغيير البيت كله من ديكور البيت الى التنظيف الخاص بالعيد وهذه العملية مرهقة وتحتاج الى تهيؤ قبل عدة ايام «.
أما زميلتها نهى غالي فتضيف « برغم من الأعباء الكثيرة قبل حلول العيد الى أن الواجبات مقسمة على جميع افراد العائلة فنشاهد الجميع منشغلاً وله واجباته الملقاة على عاتقه اذ نشعر بمتعة ولذة معينة عندما نهيئ بيتنا وحتى أنفسنا للعيد فيزيل التعب بهذه المتعة «
اما الفتيات العراقيات فيجدن في العيد متعة شراء ملابس العيد، تقول غصون حسن وهي طالبة «تختلف ملابس العيد، ان لها شكل ثاني وطعم خاص على الرغم من انه لا يصادف ان نرتديها في العيد ولكني يجب ان اشتري ملابس في العيد فأقول هذه ثياب العيد».
وتشهد الأسواق العراقية زحاماً شديداً لشراء ملابس العيد والحلويات العراقية استعداداً لاستقبال الضيوف.
علي سعد صاحب أحد المحال التجارية لبيع الملابس في منطقة الشورجة « نشهد في العشرة الاخيرة من رمضان اقبالًا شديداً من قبل الناس للتبضع استعداداً للعيد لذلك نقوم بفتح محالنا منذ الصباح وحتى لوقت متأخر من اليل وبذل جهود مضاعفة تهيأ لاستقبال الزبائن وفي العيد تكون فترة الاستراحة من ضغوط في العمل خلال الايام التي مضت اذ نجد في العيد متنفسا للالتقاء مع الاقارب والاصدقاء والخروج معاً الى الاماكن الترفيهية للمتعة «
عصر السرعة والتكنلوجيا اوجدت من «مسجات العيد» وسائل بديلة عن بعض الزيارات التي قد تكون غير متاحة في العيد لضيق الوقت او للانشغالات طارئة فقد وجد ابو رامي من «مسجات» العيد فرصة للخروج من الاحراجات التي يقع بها قائلاً:» المسجات» الجاهزة أصبحت في متناول الجميع وتتنوع «المسجات» حسب المرسل اليه فمسجات الاصدقاء تختلف عن مسجات الاقرباء «.
وأضاف « في الغالب بالعيد نقوم بزيارة اهلي وكذلك زيارة اهل زوجتي اما الباقين فالمسجات تعوض عن الزيارات ماعدا الملحة منها كزيارة المريض او العائد من السفر «
وبينما كان الشباب يقضون ايام العيد في مدن الألعاب، واللعب على الدراجات الهوائية وتصادم السيارات وركوب لعبة (الافعوانية)، ومشاهدة الافلام في دور السينما، فضّل الجدد منهم صفحات التواصل الاجتماعي كشكل جديد للعيد بطقوس الكترونية تكنلوجية خاصة.
وبين الرجال والاطفال، يقرع المسحراتي (ابو طبيلة) طبله، وهو يجوب الشوارع والأحياء، إعلاناً بيوم العيد، تواكب الاطفال، ليوفي حقه، ويأخذ عيديته وهديته من المال والحلويات من الاهالي، تثميناً ووفاءً لإيقاظهم وقت السحور في ليالي شهر رمضان الكريم.
وبرغم انحسار الكثير من عادات العيد وطقوسه الشعبية، بحكم تغير الحياة وتطورها، وانشغال الكثير بهمومهم وعيشهم وهاجس الأمن، مازال العراقيون يحافظون على نكهة الماضي، والتراث الشعبي وبساطة العيش ورونق الحياة.

عادات أهل الجنوب
وعن الجنوب وعاداته وتقاليده في العيد تقول أم علي، عاداتنا وتقاليدنا في العيد لا تختلف كثيراً عن أي عائلة عراقية إلا ببعض الأمور، فنحن نحسب ونُعدُ العدة للعيد قبل أسبوع منه فنقوم بالتنظيف الشامل للبيت ونطلق على هذه العملية (عمل شعبي) أي أن كل أفراد العائلة المتواجدين في البيت يشاركون فيها، وتشمل تنظيف أرض المنزل والسقوف والشبابيك وغسل الستائر والشراشف وكل شيء تقريباً داخل البيت وخارجه .

حلوى العيد العراقية
أم علي تكمل الحديث عن العيد وطقوسه: قبل العيد بيومين نبدأ بتحضيرات حلوى العيد العراقية الخاصة (الكليجة) تتجمع بنات الخالات والأخوات ونجلس معاً لتحضيرها، والأطفال يترقبون خروج أول قطعة حلوى ليتدافعوا عليها، فرحاً لنيل شرف تذوقها كأول فرد من العائلة وخصوصاً تلك المحشية بالتمر فالجميع يحبها كباراً وصغاراً.

العيدية
وللعيد فرحة خاصة لدى الصغار خصوصاً، صباح يوم العيد يذهب الأطفال إلى الأجداد والآباء لمعايدتهم والحصول على مبلغ من المال نطلق عليه (العيدية) ويتسابقون في النهوض باكراً ومعايدة أكثر عددٍ من الاهل والاقارب لجني أكبر مبلغ من المال، وأما وجبة الفطور فهي خاصة بيوم العيد وتكون أما قيمر عرب وكآهي أو (بحت) مصنوع من الرز والحليب والسكر والدهن الحر.

العائلة المسحية في أعياد المسلمين
النسيج المجتمعي العراقي متنوع بالديانات والطوائف والقوميات، فالمسيح والصابئة والأيزيديون يشاركون المسلمين أفراحهم في عيديَ الفطر والأضحى، في الأماكن المختلطة في أغلب المحافظات العراقية، وكذلك يبادلهم المسلمون أفراحهم في مناسباتهم الدينية.

برياني ودولمة
سارة حنا مسيحية من شمالي العراق، تصف أجواء العيد ، قائلة : أننا قبل يوم العيد نقدم التهاني للمسلمين من جيراننا أو معارفنا عبر الهاتف أو عبر وسائل التواصل الحديثة حالياً في أول يوم من كل عيد، ونزورهم ثاني أيام العيد في منازلهم، ونذهب إلى منزل كبير العائلة حيث هم متجمعون ونقدم لهم التهاني وعادة نبقى لتناول الغداء معهم ونأكل من أكلاتهم المعروفة والخاصة بالعيد وأكثرها شهرة لديهم (الدولمة) مكونة من ورق العنب ملفوف بداخله رز ولحم ودهن وخضار ونكهات خاصة لها طعم حامض ولذيذ، وأيضا (البرياني)، وهي مكونة من الرز والجزر واللحم والبطاطا والشعرية ومطيبات أخرى.

دبكة العيد
من أهم الرقصات المعروفة لدى العائلة الشمالية العراقية في العيد والمناسبات هي رقصة تعرف بـ(الدبكة)، وتكون مختلطة بين الرجال والنساء، ومشهور بها الأكراد والعائلات المسيحية، وبرغم من تواجدها في غرب وجنوب العراق، إلا أنها تختلف بعض الشيء وتتباين فيما بينها.
وتصف لنا ساره، الرقصة في العيد ،في بعض الأحيان نذهب مع جيراننا من المسلمين إلى المصائف وأماكن الترفيه في محافظة أربيل أو السليمانية، للمشاركة برقصة العيد (الدبكة) وغالبناً ما تكون في مناطق خضرة ومفتوحة في أجواء الطبيعة الشمالية الجميلة، وفي الأغلب تقام حفلات زفاف المسلمين في أيام العيد وأكيد نشاركهم الفرح.

عادات وتقاليد
الباحث الاجتماعي سامر شمعة يتكلم عن أصول العادات والتقاليد لدى العائلة العراقية: تختلف العادات والتقاليد الاجتماعية للشعوب من بلد الى آخر وهذا يعود الى حضارتها وتأثرها بالأجداد، إلا أن العائلة العراقية لها عادات وتقاليد وطقوس خاصة، تشترك مع بعضها البعض في الأعياد والمناسبات، برغم وجود الاختلاف البسيط بين العائلة الشمالية والجنوبية والغربية إلا أنهم يشتركون في العيد بأداء الصلاة في المساجد وزيارة المقابر والأهل والمراقد الدينية وبعض الأكلات الخاصة بالمناسبات والأعياد”.

التكنولوجيا والعيد
ويضيف الاستاذ سامر شمعة عن التحولات التي يشهدها المجتمع العراقي بفعل دخول التكنولوجيا اليه : في السابق كانت العائلة العراقية تتكبد عناء السفر للقاء الأهل وتقديم التهاني لهم في أيام العيد عبر وسائل النقل المتعددة واللقاء المباشر، إلا أن عصر السرعة والتكنولوجيا، قد اختصر لهم الطريق وباتوا يكتفون في بعض الأحيان بتبادل رسائل التهاني عبر وسائل التواصل الحديثة كالهاتف أو الشبكة العنكبوتية وتطبيقات الهاتف النقال، وهذا ما اضعف تماسك النسيج العائلي في بعض الأحيان، وخصوصاً في نظر الجيل السابق من الآباء والأجداد الذين يعدونها خرقاً لعاداتهم السابقة التي كانت تشدد على حضور الجميع من دون تخلف أي فرد في أيام العيد في دار الجد الأكبر للعائلة».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة