مياه دجلة والفرات في منظور القانون الدولي

محمد حسين البطاط
لأهمية موضوع المياه الدولية المشتركة وتصاعد حاجة الدول الى المياه بصورة طردية مع متطلبات التقدم وتزايد السكان وبروز شدة الخلافات بين العراق وتركيا وايران وسوريا حول مسألة تنظيم عمليات الاستفادة من المياه الدولية وكذلك بسبب خلافات مصالحها الوطنية التي قد تسبب الى صرعات ونزاعات من شأنها أن تؤثر على السلم والامن الدوليين.
فعلى الرغم من عدم وجود (قواعد قانونية دولية محددة تنظم مسألة تقاسم المياه الدولية) الا اننا نجد قواعد قانونية دولية يمكن الاسناد اليها في معالجة هذه المشكلة في وثائق الامم المتحدة سواء كانت بالاتفاقيات او المعاهدات التي تم تسجيلها او اودعتها تلك الدول فيها على وفق المادة (102) من ميثاق الامم المتحدة.
حيث نصت اغلب المعاهدات او الاتفاقيات على عدة مبادئ دولية محددة لحقوق تلك الدول في استعمال تلك المياه الدولية وفقاً لقواعد قانونية دولية واهمها:
اولاً:- ان الدول المتشاطئة لها حق السيادة الى ابعد الحدود في استعمال جزء من النظام الدولي للمياه التي تقع ضمن اختصاصها على ان يتفق الحق المماثل لكل دولة متشاطئة مشتركة معها.
ثانياً:- ان الدول المتشاطئة مخولة في حصة من الاستعمال وفوائد نظام المياه الدولية على اساس عادل ومعقول.
ثالثاً:- تلزم الدول المتشاطئة التي تنوي تغير نظام المياه الدولية الذي قد يؤثر في حقوق الدول الاخرى المشتركة ان تعطى الفرصة الكافية في الرفض فاذا رفضت بالفعل واعربت عن رغبتها في الوصول الى اتفاق او حل سريع بالوسائل السلمية المنصوص عليها بالمادة (33) من الميثاق فعلى الدول التي تنوي التغيير ان تمتنع عن القيام بالعمل وتسمح بتبادل اي اتفاق او حل اخر.
وكذلك ان تتم اجراء الاتفاقيات على وفق المبادئ الدولية العامة في تطبيقها على الانهار الدولية ( مبدأ حسن الجوار ، مبدأ حسن النية ، مبدأ عدم الاضرار بالدول الاخرى ، مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق ، مبدأ اللجوء الى المفاوضات في حالة الاختلاف ، مبدأ التوزيع العادل والمعقول للمياه الدولية ، مبدأ المساواة في حق استعمال المياه الدولية.
ومن خلال ذلك يمكن استثمار تلك المبادئ ومن خلال القانون الدولي العرفي والقانون الدولي المدون في حل مشكلة مياه العراق الدولية.
اما من ناحية القانون الدولي العرفي الذي عد العرف احد مصادر الاساسية في قواعد القانون الدولي وله صفة الالزام وهذا ما اكدته محكمة العدل الدولية الدائمة في المادة (38/2) من نظامها الأساسي.
وبذلك يمكن الاعتماد بشكل اساسي على القواعد العرفية الدولية الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات وما تضمنته من مبادئ أهمها:
1.منع الدول المتشاطئة من القيام بمشروعات استعمال المياه الدولية دون الاخذ بنظر الاعتبار موافقة الدول المشتركة.
2.وجوب احترام حقوق الدول المشتركة الاخرى في توزيع المياه الدولية بينها للحيلولة دون استئثار بعضها بحقوق البعض.
3.عدم جواز استغلال الدول المتشاطئة لموقعها الجغرافي والتحكم بمياه النهر الدولي بمفردها ، بل يتعين عليها ضمان حقوق الدول الأخرى.
وهذا ما اكدته اعمال اللجان والمؤتمرات التابعة للأمم المتحدة وسأتطرق لها تباعاً
اللجنة الاقتصادية الاوروبية في عام 1952 قد نصت على ما يلي:
*ان الدول المتشاطئة وان كانت تملك حقوق السيادة الإقليمية على ذلك الجزء المار او المتاخم لأراضيها الا ان هذا الحق مقيد بحقوق الدول الاخرى التي يتعين احترامها.
*لكل دولة متشاطئة الحق بتطوير ذلك الجزء الممر المائي المار او المتاخم لأراضيها شريطة ان لا تؤدي الى احتمال حدوث ضرر بليغ في حقوق الدول الأخرى.
•مؤتمر الامم المتحدة للتنمية البشرية (استكهولم ) للفترة من 5-16/حزيران /1972 :- التي اكد على تقييد ممارسة الدولة لسيادتها الاقليمية على الجزء من النهر المار بأراضيها وحماية مجراه الطبيعي ومنع اساءة استعماله.
•تنفيذ لتوصية الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها المرقم (3071) المتخذ بدورتها (28) :-
حيث جاء فيه ( ان الدول المتشاطئة على النهر الدولي تستطيع استخدام مياه النهر الدولي طبقاً لاحتياجاتها ولكن بشرط ان لا تكون حريتها في ذلك للدول المشتركة معها في النهر نفسه.
•قانون استعمال المجاري المائية في الاغراض غير الملاحية .. الذي اشار الى بعض المعاهدات والوثائق الامريكية والافريقية والتي نصت ( في الانهار الدولية المتتابعة لا توجد سيادة مشتركة ، كل دولة تستطيع استعمال المياه طبقاً لاحتياجاتها بشرط ان لا يسبب ذلك ضرراً يمكن ادراكه لأية دولة حوضية .
•قرار معهد القانون الدولي في (ساليزبورغ) عام 1961 المتضمن (اعتراف كل دولة حوضية بحق استغلال المياه التي تجتاز او تحد اقليمها بشرط ان تتقيد بالقانون الدولي وبحق انتفاع الدول الاخرى ذات المصلحة في المجرى نفسه.
•توصية لجنة الموارد الطبيعية في (طوكيو) للفترة من 24 اذار -4نيسان /1975 التي اكدت على (ضرورة التقسيم العادل لمياه الانهار الدولية وضمان حقوق كل الدول المتشاطئة في المورد المائي (للأنهار الدولية).
مشروع اللجنة القانونية الاستشارية الاسيوية -الافريقية في (أكرا) عام 1970 حيث نصت المادة (2) منه على: (الزام الدول المتشاطئة باحترام الحقوق المكتسبة للدول الاخرى المشتركة معها في النهر ، ومنع الدول المتشاطئة من القيام بأي انشاءات على اقليمها من شأنها احداث اضرار جسيمة ودائمة في اقليم دولة اخرى كما اعطت المادة (6) (الحق لكل الدول المتشاطئة في حصة عادلة ومعقولة في الاستعمالات المفيدة لمياه النهر الدولي). )
كما قدمت اللجنة المذكورة اعلاه في عام 1973 الذي جاء تأكيداً على حقوق كل دولة بحصص عادلة ومعقولة من الاستعمالات المفيدة حيث نصت المادة (1) على (الزام الدول المتشاطئة بالعمل بحسن النية عند ممارستها لحقوقها على المياه المارة بأراضيها استناداً للمبادئ التي تحكم علاقة حسن الجوار ). وكذلك نصت المادة (2) على (عدم احقية دولة المجرى النهري باستعمال المياه بشكل يترتب عليه اضرار جوهري للدول الأخرى).
اما من ناحية القانون الدولي المدون الذي بدوره حول تلك القواعد العرفية الى قواعد اتفاقية دولية الى اتفاقيات ثنائية ومتعددة الاطراف وبروتوكولات حيث اهتمت الامم المتحدة بتلك القواعد وتدوينها وانتجت
•اتفاقية البحر الاقليمي والمنطقة الملاصقة له وبالبحار العالية والصيد والجرف القاري في مؤتمر جنيف عام 1958
•قانون استعمال المجاري المائية الدولية للأغراض الغير ملاحية عام 1997
•اعلان مبادئ هلسنكي بشأن استخدام مياه الانهار الدولية (هلنسكي ) عام 1966 حيث نصت المادة (1) (الذي اكد على انطباق العرف الملزم للدول المتشاركة في المياه الدولية ) وكما نظمت احكام توزيع المياه الدولية على نصيب عادل من المياه وفق احكام المواد (4)و(5) من اعلان مبادئ هلسنكي.
•معاهدة جنيف عام 1923 والنافذة في 30/6/1955 والتي تضمنت (1-عدم الاضرار بحقوق الدول الاخرى عند استغلالها للأنهار الدولية . 2- تمتع كل دولة في حدود احكام القانون الدولي العام بحرية القيام بالأعمال المتعلقة بتوليد الطاقة الكهربائية . 3- وجوب دخول دول الحوض في مفاوضات للوصول الى المعاهدات بشأن تنظيم استغلال المياه الدولية . 4- ايجاد منظمة تتولى الرقابة والاشراف على الامن العام في اجزاء حوض النهر الدولي.
•معاهدة لوزان المعقودة في 24/تموز/1923 بين تركيا ودول الحلفاء وقد نصت المادة (109) منها (في حالة عدم وجود شروط تخالف ذلك ، فيما اذا نتج عن تثبيت الحدود الجديدة نظام هيدروليكي (القنوات، الفيضان، الري، الصرف) ……فيعقد اتفاق بين الدول المعنية لحماية المصالح والحقوق التي اكتسبها كل منهم.
ومن خلال ماتطرقنا له من توضيح صراحة الاتفاقيات والمعاهدات تبيّن لنا ان العراق عليه دخول بمفاوضات جدية وان يسعى للتوصل لاتفاقية طويلة المدى بشأن تقسيم المياه مع تركيا وسوريا وايران. وتفعيل اللجنة الفنية للمياه الدولية المشتركة للتوصل الى قسمة عادلة للمياه بين الدول الثلاث (العراق، تركيا، سوريا)
اما من الجانب الايراني فيما يتعلق بالأنهر التي تقع على الحدود فيجب وضع اتفاقيات ومعاهدات طويلة المدى بالطرق الدبلوماسية وان لم يتم التوصل لاتفاق يتم اللجوء الى اسلوب الوساطة.
*محام

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة