أحزاب المعارضة الكردية خسرت في انتخابات 12 أيار/مايو: هل الاحتيال هو السبب؟

يريفان سعيد

أعلنت «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» النتائج الرسمية للانتخابات النيابية العراقية خلال الساعات الأولى من يوم التاسع عشر من أيار/مايو بعد تأخيرات عدة. وفي إقليم كردستان العراق، شابت النتائج غير الرسمية والرسمية ادعاءات باحتيال واسع النطاق في الانتخابات لصالح الحزبين الحاكمين -»الاتحاد الوطني الكردستاني» و»الحزب الديمقراطي الكردستاني». وما شكّل مفاجأة للكثيرين، مقارنةً بالدورتَين الانتخابيتَين الماضيتَين، أن «الاتحاد الوطني الكردستاني» حقق عودة جيدة من خلال الفوز بثمانية عشر مقعدًا في البرلمان، في حين احتفظ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بمعظم مقاعده من خلال الفوز بثمانية وعشرين مقعدًا، وحصلت جماعات المعارضة على غرار «حركة التغيير» («كوران») على 5 مقاعد، و»الجيل الجديد» على 4، ومقعدين لكل من «تحالف الديمقراطية والعدالة» و»الجماعة الإسلامية» («كومال») و»الاتحاد الإسلامي الكردستاني». في المقابل، عجزت أحزاب كردية أخرى أصغر حجمًا عن تحقيق أي فوز.
وعقب الإقفال الرسمي لمراكز الاقتراع وصدور النتائج الأولية في 12 أيار/مايو، بات الوضع في محافظة السليمانية، معقل الجماعات المعارضة ضد حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» الحاكم، محتدمًا ومتوترًا للغاية لدرجة أسفر عن أعمال عنف. وقد أمر أحد قادة الحزب رجاله المسلحين بمهاجمة المقر الرئيسي لـ «حركة التغيير» («كوران»)، وهي جماعة انفصلت عن «الاتحاد الوطني الكردستاني» منذ 2006. وقد طعنت الحركة بنتائج الانتخابات، معلنةً أنها لن تقبل بها بسبب التباين والاحتيال. وتردد أن أحد مقرات «تحالف الديمقراطية والعدالة» بقيادة رئيس الوزراء الكردستاني السابق برهم صالح الذي انفصل بدوره عن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، كانت محاصرة من قبل مسلحي الحزب الحاكم. لكن الهجوم أثبط بفضل مهارات التواصل الفعالة لصالح مع قادة آخرين من «الاتحاد الوطني الكردستاني». وبرغم عدم صدور أي تقارير عن وقوع إصابات، كانت أعمال العنف مؤشرًا ورسالة بأنه من المستبعد أن يكون الحزبان الكرديان الحاكمان على استعداد للتخلي عن السلطة بسهولة. فهما مستعدان للجوء إلى القوة بغية ضمان سيطرتهم على السلطة السياسية والاقتصادية التي زودتهما بشبكة رعاية قوية تُرجمت بقاعدة انتخابية وفية إلى حدّ كبير.
يُذكر أنه خلال الدورتَين الانتخابيتَين الماضيتَين، استفادت حركة «كوران» من الاستياء الواسع النطاق من حكم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و»الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي تشوبه الحوكمة السيئة والفساد والمؤسسات العاجزة واقتصاد يكافئ فقط من هم في السلطة ومتجاهلًا بقية أفراد المجتمع. وخضع هذا النموذج الاقتصادي لمزيد من الضغوط حين خفضت بغداد موازنة «حكومة إقليم كردستان» في 2014، ما جعل هذه الأخيرة غير قادرة على دفع الرواتب في موعدها وتأخيرها لأشهر عديدة.
وإذ تعهدت الحركة بالحكم وفق منصة إصلاحية مناهضة للفساد، حققت «كوران» نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية في كل من «حكومة إقليم كردستان» والعراق بين العاميْن 2013 و2014. فقد حصلت على أصوات العديد من الناخبين في دوائر «الاتحاد الوطني الكردستاني» وبالفعل حصدت 9 مقاعد في الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2014، في وقت حصل فيه الاتحاد على 21 مقعدًا. لكن فوز «كوران» الانتخابي لم يُترجم في سلطة فعلية ضمن مؤسسات «حكومة إقليم كردستان» نظرًا إلى سيطرة «الاتحاد الوطني الكردستاني» و»الحزب الديمقراطي الكردستاني» على المؤسسات الأمنية والعسكرية وغيرها من المؤسسات المهمة في الإقليم. إضافة إلى ذلك، يمكن إلقاء اللوم على تعيين غوران للوزراء غير الأكفاء في حكومة إقليم كردستان بسبب تقليص المقاعد التي حصل عليها الحزب في الانتخابات بشكل عام؟
وبالتالي، أدّى ذلك إلى إحباط قادة الحركة وكذلك ناخبيها، ما حال دون وفائها بوعودها الانتخابية السابقة. وفي المقابل، ساد التشاؤم وخيبة الأمل حيال أي تغيير مجدٍ خلال العملية الانتخابية في إقليم كردستان العراق.
وانعكست خيبة الأمل هذه في انتخابات 12 أيار/مايو حيث بلغت نسبة الإقبال الوطنية 44.5 في المائة. وقد أتت النسبة أفضل بقليل في محافظات إقليم كردستان مسجلةً 48 في المائة – توزعت على الشكل التالي: السليمانية 50 في المائة، إربيل 43 في المائة ودهوك 51 في المائة. ويشير ذلك إلى أن 52 في المائة من الناخبين المؤهلين لم يصوتوا في إقليم كردستان لأي حزب. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: من هي نسبة 52 في المائة من الناخبين هذه؟ يكمن أحد التفسيرات المحتملة في أن هذه الأغلبية من الناخبين مؤلفة ممن فقدوا الأمل في العملية الانتخابية وكذلك كافة الأحزاب السياسية، بما فيها «كوران» والأحزاب الإسلامية و»تحالف الديمقراطية والعدالة» المشكّل حديثًا. ويبدو أن هؤلاء الناخبين يعتقدون أنه لا فرق بين أي من الأحزاب السياسية وأن أصواتهم ستغني ببساطة المرشحين بينما يبقون في حالة الفقر التي يعيشونها.
في المقابل، يبدو أن 48 في المائة من الناخبين الذين شاركوا في العملية الديمقراطية يشكّلون القاعدة الوفية لكافة الأحزاب السياسية الكردية. وعلى غرار «قاعدة الورقة الرابحة»، صوتوا للفصائل التي ينتمون إليها بغض النظر عن فشلها أو نجاحها في السابق. بعبارة أخرى، الإيديولوجية تنتصر على السياسية. على سبيل المثال، أثبت «الحزب الديمقراطي الكردستاني» أنه يملك قاعدة خارجية وفية في معقليه التقليديين إربيل ودهوك. لكن الإقبال المتدني في هاتين المحافظتين على سبيل المثال، مقارنةً بالإقبال الذي فاق 90 في المائة على استفتاء الاستقلال قبل ستة أشهر فقط، يجب أن يُنذر الحزب بأن قاعدته الوفية تتقلص في وجه السياسات الفاشلة والفساد والحوكمة السيئة، بما في ذلك تفاقم الوضع الاقتصادي. ويبدو أيضًا أن «الاتحاد الوطني الكردستاني» يمتلك قاعدة وفية قوية. فقد حصد 8 مقاعد في السليمانية مقابل 6 في 2014 وحافظ على مقاعده الستة في كركوك.
في الواقع، يمكن دمج نظرية «القاعدة الوفية» هذه مع الإقبال المتدني في معاقل المعارضة على غرار السليمانية وحلبجة وغيرهما من المناطق خلال الاستفتاء على الاستقلال الذي جرى العام الفائت. فقد عارضت حركة «كوران» ووقفت ضد الاستفتاء، داعيةً مناصريها إلى عدم المشاركة في العملية كما فعلت حركة «الجيل الجديد» التي برزت مع انطلاق استفتاء العام الفائت. وفي دهوك وإربيل، معقلي «الحزب الديمقراطي الكردستاني» التقليديين، تجاوزت نسبة الإقبال 90 في المائة. لكنها بلغت 50 في المائة في السليمانية، معقل «كوران» و55 في المائة في حلبجة. مجددًا، يشير ذلك إلى أن القاعدة الوفية لكل من «الاتحاد الوطني الكردستاني» و»الحزب الديمقراطي الكردستاني» صوّتت لصالح الاستفتاء في هاتين المنطقتين، في حين أن مكونات المعارضة وغيرها فقدت إيمانها بالعملية ولازمت منازلها.
وخلال انتخابات عام 2014، بلغت نسبة الإقبال على التصويت 72.1 في المائة في إقليم كردستان، بينما بلغت 70.6 في المائة في أربيل، و72 في المائة في السليمانية، و73.9 في دهوك. وفى ظل تلك النسبة المرتفعة من الإقبال على التصويت، برزت حركة «كوران» كفائز في الانتخابات التي عقدت في إقليم كردستان في محافظة السليمانية، حيث حصلت على 12 مقعدًا من أصل 32 مقعدًا في المحافظات، يتبعها الاتحاد الوطني الكردستاني الذي حصل على 12 مقعدًا. بالإضافة إلى ذلك، حققت «كوران» نجاحات في معاقل الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث حصلت على 4 مقاعد من أصل 30 مقعدًا في العاصمة الكردية أربيل ومقعدًا آخر في معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني في محافظة دهوك.
هذا وتراجع عدد مقاعد «كوران» في السليمانية من 7 في 2014 إلى 5 في انتخابات 2018. وعلى الرغم من وجود مخاوف مشروعة من تزوير الانتخابات على نطاق واسع، ومدعومة بوثائق تسربت من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ومدعومة بتصريحات أدلى بها سعيد كاكاي الذي كان عضوا في المفوضية ومسؤول غوران، إلا أن تراجع الحركة الانتخابي لا يبدو احتيالًا انتخابيًا بقدر ما هو خسارة القاعدة الانتخابية لصالح منضمين جدد على غرار «تحالف الديمقراطية والعدالة» و»الجيل الجديد» إلى ساحة انتخابية مكتظة أساسًا وتنافسية في «حكومة إقليم كردستان». فقد فازت حركة «الجيل الجديد» بقيادة شاسوار عبد الواحد بأربعة مقاعد – اثنان في السليمانية واثنان في إربيل، في حين حصد «تحالف الديمقراطية والعدالة» مقعدًا في السليمانية وآخر في إربيل. وعلى غرار «كوران»، ترشّحت حركة «الجيل الجديد» و»تحالف الديمقراطية والعدالة» على أساس محاربة «الاتحاد الوطني الكردستاني» و»الحزب الديمقراطي الكردستاني»، مروجين لحوكمة جيدة ومساءلة.
ويشير هذا إلى أن 6 مقاعد محتملة كان من الممكن أن تذهب إلى كوران في غياب «تحالف الديمقراطية والعدالة» و»الجيل الجديد»، وبذلك يصل إجمالي مقاعد كوران إلى 9 مقاعد، وهو نفس عدد المقاعد الإجمالية التي حققتها كوران في عام 2014. ومن ناحية أخرى، انخفض إجمالي المقاعد البرلمانية التي حققها «الاتحاد الوطني الكردستاني» من 21 في عام 2014 إلى 18 في عام 2018. في المقابل، خسر الحزبان الإسلاميان الآخران «كومال» و»الاتحاد الإسلامي الكردستاني» نسبة الخمسين في المائة من مقاعدهما بالمقارنة بالانتخابات السابقة. وقد يكون السبب الآخر وراء الأداء السيئ لكوران هو فشل الحركة في إطلاق قاعدتها بقوة أكبر، ودفع الأصوات المستقلة للتصويت لصالح الحزب. كما يمكن أن يكون وفاة الزعيم المعروف للحركة نوشيروان مصطفى في أيار/ مايو عام 2017 سبباً آخر لفشل الحزب في جذب المزيد من الأصوات في عام 2018، نظراً لأن قادة الحزب الحاليين يفتقرون إلى سمات زعيمه الراحل.
تعرضت الديمقراطية في إقليم كردستان العراق للاحتيال والتزوير في انتخابات 2018 وفى الاستحقاقات الانتخابية السابقة.، حيث استخدمت الأحزاب الحاكمة سلطتها لتخويف المعارضين، والتلاعب بالانتخابات لصالحهم. ومن ثم، ولتفادي زعزعة صورة حكومة إقليم كردستان دوليا، ولإعادة الثقة في النظام الانتخابي كطريقة لحل النزاع السلمي، يجب إجراء تحقيق شامل في إقليم كردستان للوقوف عل حقيقة دعاوى الاحتيال والتزوير التي أدعتها كوران والأطراف الأخرى. إضافة إلى ذلك، فان انخفاض نسبة الإقبال على التصويت الذي أججه ووجهه التشاؤم حيال أي تغيير مجدٍ خير تفسير لخسارة «كوران» وغيرها من الأحزاب الكردية الأصغر حجمًا أمام أحزاب راسخة على غرار «الاتحاد الوطني الكردستاني» و»الحزب الديمقراطي الكردستاني» اللذين يتمتعان بتنظيم أفضل ونظام رعاية أقوى. وأخيراً، سيتم إجراء الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان في سبتمبر 2018، ومن ثم، فإن فشل حركة كوران والمعارضة في جلب نسبة 52 في المائة الأخرى من الناخبين المؤهلين إلى مراكز الاقتراع، يجب أن يكون بمثابة نداء استيقاظ للحركة وللأحزاب الأخرى. لذلك فإن الطريق إلى الأمام والفوز بالانتخابات المقبلة سوف يعتمد على مدى ومقدار استفادة تلك الأحزاب من هذا الاحتياطي الناقص من الناخبين.
*عن معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة