تميزت التجربة السياسية في العراق منذ الاطاحة بالنظام الديكتاتوري بسعي محموم من قبل الاحزاب بشتى توجهاتها لحيازة المناصب والعناوين وجرى تداول مفاهيم غريبة ومقيتة شوهت روح ومضامين النظام التعددي وتم اختيار(المحاصصة ) سيئة الصيت كمعيار لتقاسم السلطة على طريقة تقاسم (الغنائم) او تقاسم (الكعكة) وخلال خمسة عشر عاما شاعت تقاليد واعراف سياسية ابتدعتها قوى متنفذة داخل الكيانات والاحزاب السياسية ارادت من خلالها رسم خارطة لتوزيع السلطة بما يضمن مصالح الفئات والمجموعات التي استأثرت باعلى الاصوات واصبح بمقدورها التحكم بمقاليد السلطة وبمقتضى هذا النظام وهذه الخريطة يجلس الفرقاء وممثلي المكونات في غرف مغلقة ويجري توزيع المناصب على وفق اليات وسياقات معززة بنظام حسابي يمنح النقاط لكل حزب او جهة بمقدار ماحصلت عليه من اصوات او مقاعد ويتم التوصيف والتقييم حسب كل عنوان فمنصب رئيس الجمهورية بمقدار ومنصب رئيس مجلس النواب بمقدار اخر وينساق الامر على رئيس مجلس الوزراء ومناصب نواب الرئيس والوزراء ولم يكتف هؤلاء بهذه الاجتهادات في تقسيم المناصب العليا بل تعمقوا كثيرا ووصلوا الى مستوى ادارة المؤسسات العامة واصبح في كل وزارة شبكة حزبية يتم من خلالها تقاسم مناصب المدراء العامين وتسببت هذه الخارطة الاجتهادية الحزبية في اصابة الدولة العراقية بالشلل والركود وضعف الادا ء وغياب الكفاءة وانحدارمستوى الرصانة والنوعية وبات من الصعب على اي من الوزراء اصدار الاوامر باستبدال مدير عام فاشل او فاسد من دون الرجوع الى الحزب او الجهة التي ينتمي اليها هذا المدير واصبحت مشاهد الاستقواء بالاحزاب والمكونات العرقية واضحة لا يستطيع انكارها احد مما ولد ثقافة مصطنعة شاعت على مدى السنوات الماضية وزاد من نوازع الاستئثار والتملك للمناصب وصار من المعتاد ان ترى وكلاء وزارات ومدراء عامين مضى على توليهم مناصبهم اكثر من عشر سنوات ولم يعد بالامكان تقريب الاداء بمستوى الجودة وتقييم الاشخاص بميزان العدالة والشفافية ولم يألف العراقيون ثقافة الاعتذار او الايثار مثلما يحصل في دول اخرى تتمتع بروح الشفافية وتنبذ الانانية داخل الاروقة السياسية حيث نرى زعيما او رئيسا للوزراء او وزيرا يقدم استقالته ويعتذر لشعبه لانه فشل او ارتكب خطأ او ادين بالتقصير او اتهم بملفات فساد ولم نر مسؤولا اعلن تخليه عن المسؤولية وانسحب من السباق من اجل مسؤول اخر اكثر كفاءة منه وماتزال ثقافة الاستئثار قائمة وماتزال المنافسة محمومة بين الاحزاب والكيانات مشفوعة بمظاهر التدافع والتسقيط من اجل الحصول على اكبر عدد ممكن من المكاسب على حساب الوطن والشعب .
د. علي شمخي
ثقافة الاستئثار !
التعليقات مغلقة