أحلام يوسف
يبادر الناس عادة في شهر رمضان الكريم الى انهاء خلافاتهم او تجاوزها مع الأقارب والأصدقاء طمعا برضا الرحمن في هذا الشهر الفضيل، شهر الله.
هناك من يقول ان الصلح في كل وقت خير، ويقرّب العبد من المعبود، وتعضيدا لهذا الرأي نقول، انه فرصة لمن ظل يكابر ويعاند مع نفسه، وينتظر مبادرة الطرف الاخر.
عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول اللَّه “ص” قال: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”. فان تأجيل الصلح يؤخر مغفرة الذنوب. اليس هذا كافيا ليكون خيار الصلح هو اول ما نفكر به عن حدوث خلاف مع أحد، بغض النظر عن طبيعة العلاقة التي تربطنا به.
يقول الأستاذ الجامعي حسن الجبوري، باحث بعلم الاجتماع: المصالحة مع الاخر تبدأ من التصالح مع النفس، فمن رضي عن نفسه سيكون مسترخيا بتعامله مع الآخر، لذلك فمن النادر ان ينشب خلاف بينه وبين احد، لأنه بالضرورة يكون متفهما للظرف والبيئة وسن الطرف الآخر، والتصالح مع النفس يأتي من نقاط عدة أولها الايمان باننا جميعا بشر لدينا ميزات وعيوب، فان كان بنا عيب، ذلك لا يعني اننا اشرار، بل يعني ان علينا البحث عن سبل كفيلة بإصلاح هذا العيب، والتعامل مع الاخرين بالمبدأ نفسه، ونحن بشر ولسنا ملائكة.
ويضيف:النقطة الأخرى هي محاولة انجاز شيء لأنفسنا او لغيرنا، المهم اننا نصنع تغييرا بحياتنا او بحياة الاخرين، فذلك من شأنه تعزيز الثقة التي هي عامل مهم بموضوع التصالح مع النفس. وهناك امر مهم، وهو ضرورة تذليل المشكلة، فان حدث خطأ يجب ان نتعامل بهدوء وروية، ولا نرسم للخطأ صورة نحوله بها الى خطيئة بغض النظر عن حجمه الحقيقي، وذلك بالنسبة للخطأ الذي نرتكبه نحن، او يرتكبه الآخر.
يقول رسول الله صل الله عليه وسلم: تفتحُ أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا”، فكيف ببعض الاخوة الذين قطعوا صلات ارحامهم بسبب خلاف لا يرتقي الى ان يكون سببا لقطعها، وثمة بعض الأبناء يقاطعون اباءهم، او امهاتهم بسبب حدوث خلاف فيما بينهم.
تخاصم مع والدته لأنها لم ترض على زواجه ممن احب، ودامت القطيعة بينهما ثلاث سنوات، تدخل بعض الافراد من العشيرة، إضافة الى اخوته لإنهاء القطيعة لكنه اصر عليها، الى ان مرضت امه، فسارع لطلب عفوها وسماحها، يقول مهند الموسوي، يعمل بمكتب مقاولات عامة: لقد ارتكبت خطأ فادحا اصلي يوميا ليغفره لي الرب، لأني تسببت بالألم لأمي، وقطعت علاقتي بها بسبب رفضها زواجي بمن أحببت، لكنها كانت غشاوة على عيني ازالها مرضها، فأحسست بذنب كبير، واليوم برغم مسامحتها لي ورضاها عني، لكني ما زلت غير راض تماما عن نفسي، وأود يوميا ان اقدم فروض الحب والطاعة لأمي كي اغفر لنفسي خطيئتي تلك.
رمضان مثله مثل أي شهر، لكنه اكتسب سمة خاصة، وهي ان الصلح واجب فيه، وفرصة لمن يكابر كي يبدأ المبادرة ويكون هو صاحب الفضل والحق، فلا يوجد خلاف في هذه الدنيا يستحق ان يدوم أكثر من ليلة، علينا ان نتعلم ونروض أنفسنا ان الفجر يعلن بداية يوم جديد، تصاحبه أفكار جديدة، وروح جديدة مقبلة على الحياة، وتنتظر من الله ان يبارك به، والمباركة لا تكون الا بنفس متصالحة وراضية.
رمضان مثل أي شهر.. فانسوا خلافاتكم على الدوام
التعليقات مغلقة