د. أحمد القيسي
بدأت الاجتماعات بين وزير الطاقة الأميركي، ريك بيري، ومفاوضين سعوديين تمّهد الطريق أمام الشركات الأميركية لبيع التكنولوجيا النووية إلى المملكة. ويبدو أن السعودية سترفض أي اتفاق لا يمنحها خيار تخصيب اليورانيوم بمستوى منخفض. ومع ذلك، تصرّ الولايات المتحدة على أن «قاعدتها الذهبية» تحظّر هذا الخيار، كما جرى في اتفاق «١٢٣» الذي توصلت إليه مع الإمارات العربية المتحدة.
وفي هذا الصدد، يأتي الانسحاب الأميركي الأخير من الاتفاق النووي الإيراني، الذي اعترف بأنشطة تخصيب إيرانية محدودة، ليعزز هذه الحجة. وقال كريستوفر فورد، مساعد ترامب الخاص بشأن منع انتشار الأسلحة النووية، إن الاتفاق النووي مع إيران لا يسهّل على واشنطن إصرارها على الحد من قدرات الدول الأخرى، كما يبدو أن إسرائيل ودول أخرى تعارض مطلب السعودية بتخصيب اليورانيوم. ولكن إصرار واشنطن على فرض شروط مسبقة على الأنشطة النووية السعودية قد يعوق تحقيق هدف مكافحة الانتشار النووي المنشود. وبالمقابل، قد تزوّد روسيا أو الصين أو فرنسا أو كوريا الجنوبية المملكة بمطامحها النووية، التي تشمل القدرة على التخصيب.
في عام ٢٠١٦، وقّعت الصين اتفاقًا لاستثمار 2.43 مليار دولار من أجل بناء مجمّع صناعي لتصنيع المعدات النووية في المملكة العربية السعودية. ورغبةً من روسيا بتوسيع وجودها المحدود في المنطقة، فقد قدّمت عرضًا مغريًا لبناء مفاعلات نووية في المملكة العربية السعودية. ووقّعت روساتوم، وهي مؤسسة حكومية روسية للطاقة النووية، على خارطة طريق للتعاون في الاستخدام السلمي للطاقة النووية مع مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. بعبارة أخرى، قد لا تحظى واشنطن بالقدرة الفردية على منع السعودية من تخصيب اليورانيوم.
وعلى الرغم من حرص الرياض على توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية مع واشنطن، فقد تبحث عن موردين آخرين إذا أصرت أمريكا على قاعدتها الذهبية. وإذا رسّخت موسكو أسسها في المملكة العربية السعودية فسيكون ذلك بمثابة ضربة لنفوذ الولايات المتحدة وهيبتها الإقليمية. وعلاوة على ذلك، قد تدفع قدرة التخصيب السعودية غير الخاضعة للإشراف دولًا مثل الأردن وتركيا ومصر إلى المطالبة بحقوق مماثلة. وقد تشكّل المعايير السعودية المختلفة عن تلك التي فرضتها أمريكا على الإمارات سابقة قانونية عند تجديد اتفاقية الطاقة النووية الأمريكية مع مصر، والمقرر تجديدها في ٢٠٢١، وتركيا التي سيحل موعد تجديد اتفاقيتها في عام ٢٠٢٣. وقد يشير ذلك إلى موافقة أمريكا على أن تبدأ دول الشرق الأوسط بالسعي وراء اكتساب قدرات نووية، وقيامها بالتحريض على سباق تسلح نووي إقليمي.
ونظرًا للضغوط الداخلية القوية في كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، يمكن التوصل إلى حل وسط من خلال المشاركة الأميركية في البرنامج النووي المدني السعودي. وفي هذا الصدد، اقترح الرئيس ترامب مشروعًا لبناء محطات الطاقة النووية في المملكة العربية السعودية، على أن تتولى رئاستها شركات أمريكية مثل شركة وستنغهاوس الكتريك، مقابل السماح بتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية. وبذلك تكون الولايات المتحدة مسيطرة تمامًا على دورة الوقود النووي في المملكة العربية السعودية. وهذا هو الخيار الأفضل للولايات المتحدة للحد من إمكانية لجوء المملكة العربية السعودية إلى نشاط سري أو إلى دول أخرى قد لا تطالب الرياض بالامتناع عن التخصيب.
في الوقت الراهن، يتنافس اتحاد من الشركات الأميركية بقيادة وستنغهاوس مع عروض من شركات روسية وصينية وفرنسية وكوريا الجنوبية لتقديم عطاءات قد تؤدي إلى بناء ١٦ مفاعلاً على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة. فقد تكسر واشنطن من حدة موقفها حول تخصيب اليورانيوم السعودي لدعم تعهد ترامب بتجديد الصناعة النووية الأميركية. وبالتالي، تجتمع الحجج التجارية والجيوسياسية لترجّح بعض المرونة الأميركية في هذه القضية المثيرة للجدل.
فيمكن لاتفاق نووي مرن مع السعودية أن يمنح واشنطن حق النقض (الفيتو) ضد أي مستويات خطيرة لتخصيب الوقود النووي في المملكة العربية السعودية، وذلك تماشيًا مع القيود الدولية المفروضة على التخصيب الإيراني. على الرغم من رفض السعودية لقيود القاعدة الذهبية، إلاّ أنها مهتمة باستئناف المحادثات حول اتفاقية تقبلها الولايات المتحدة وتستجيب لشواغلها في منع الانتشار النووي. فتفضل الرياض الحصول على دعم من واشنطن لتطوير برنامجها النووي وفقًا لقواعد معاهدة عدم الانتشار، بدلاً من تطويره سرًا بمساعدة دول أخرى.
إذًا، يشكّل الكونغرس الأميركي العقبة الرئيسية التي تعترض سبيل توقيع المملكة العربية السعودية لاتفاق نووي مع الولايات المتحدة. حيث وإن تم التوصل إلى اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإدارة ترامب، فيمكن للكونغرس إما أن يعيق الصفقة أو يضيف بنودًا تمنع الولايات المتحدة من بيع التكنولوجيا التي تحتاجها المملكة العربية السعودية لتخصيب اليورانيوم. وبالتالي، لا بد من إجراء مشاورات مع الكونغرس حول هذه المسألة على وجه الاستعجال، تمهيدًا للتوصل إلى حل واقعي يعود بالفائدة على الطرفين- وهو حل من شأنه أن يبقي الولايات المتحدة في موقع الريادة مع حليفتها الرئيسية السعودية، في المجال النووي وفي القطاعات الحيوية الأخرى أيضًا.
*عن معهد واشنطن.