ثقافة النفاق

من أكثر الظواهر شيوعاً في مجتمعاتنا العربية ثقافة النفاق، ومن المؤسف أن يصبح النفاق معياراً وطريقة تعامل مقبولة من الناس دون نقد أو إدانة.
وقد لاحظنا أن ما يتم قبوله وممارسته من قبل الأفراد بعيداً عن الأعين يصبح محظوراً ومرفوضاً وغير مقبول عندما يتم نشره بشكل علني في وضح النهار.
كثير من الناس ليست لديهم أية مشكلة في القيام بأشياء معينة خارج حدود البلاد، وفي الوقت نفسه، يعارضون مثل هذه الممارسات داخل البلاد. فطالما أنك بعيد عن أعين الناس يصبح من حقك ممارسة ما تم إنكاره أو رفضه خوفاً من التعليقات والانتقادات العامة.
وكثيرون منا لديهم وجوه وأقنعة مختلفة يظهرونها، حسب الأوضاع والأماكن والأشخاص من حولهم. وأنا هنا لا أتحدث عما تم رفضه دينياً وأخلاقياً بل عن ممارسات معينة تدخل ضمن حدود دينية وأخلاقية، كما يحصل في شهر رمضان.
دعونا نتحدث عن الإسراف في موائد الإفطار، دعونا نتحدث عن الاحتفالات الدينية التي تقام في هذا الشهر، لا سيما ما يصاحبها من تلوث صوتي ناجم عن مكبرات الصوت، في حين سنجد أشخاصاً يوجهون الاتهامات والادعاءات ضدك في حال تجرأت على إقامة حفل موسيقي لمناسبة عائلية كحفل زفاف أو ختان أو عيد ميلاد مع أنها أشياء عادية يقوم بها أفراد ولا تسبب أي ضرر للجمهور.
هذه المظاهر المريرة تتكرر في كل رمضان لكنها لا تجد أي شخص ينكرها سواء في المحيط الاجتماعي أو في المجال الرسمي، وإذا حصل وأنكرتها ستواجه بالكثير من الانتقادات، وسوف يتم اتهامك بإظهار العداء للدين حتى لو كنت متمسكاً به، وتقدم كل يوم الدليل المقنع عليه.
أليس هذا هو النفاق الواضح الصريح؟
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تفرض عليه القيود حتى لا يظل عبئاً اجتماعياً ثقيلاً؟
ثقافة النفاق ليست مرفوضة لأنها تتعارض مع تعاليم الدين الذي يدعو إلى الصدق والبساطة في الحياة، ويحث على التخلص من الغرور والإفراط في الكماليات، بل لأنها تضر بنا اقتصادياً ومادياً حيث تُهدر الكثير من الأموال لإظهار الوجاهة والمكانة الاجتماعية لبعض المحظوظين دون أن يغير ذلك شيئاً من واقع الفقراء أو يبعث في نفوسهم الطمأنينة والأمل لمواجهة أعباء الحياة.
النفاق أصبح للأسف سمة من سماتنا المميزة، وقد اعتاد الكثير منا على هذه الثقافة، والنتيجة أننا لم نعد نتحدث ضدها ونكترث لعواقبها باعتبارها باتت جزء لا يتجزأ من سلوكنا وتصرفاتنا اليومية.
فريال حسين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة