د . محمد الحاج حمود
السفير د. قيس العزاوي
إذا كان علينا ان نصف دبلوماسياً مرموقاً ومفاوضاً متمرساً في علاقات العراق الحديث بالدول المجاورة وجغرافية العراق وحقوقه القانونية والسيادية وترسيم حدوده فهو بالقطع الدكتور محمد الحاج حمود السفير المخضرم الذي قاد لعقود طويلة جولات المفاوضات مع الدول المجاورة، وقادها أيضاً في المفاوضات العراقية الامريكية من اجل سحب القوات الامريكية باعتباره كبير المفاوضين العراقيين ..
ان صدور كتابه عن تلك المفاوضات الذي نقدمه يكتسي أهمية وطنية كبيرة الى جانب كونه حدثاً دبلوماسياً تفتخر به وزارة الخارجية العراقية، وهو في الوقت نفسه تسجيلاً وثائقيا وطريقة تعليمية لجيل الدبلوماسيين العراقيين الباحثين من اجل التعرف على كيفية ادارة التفاوض وطريقة العمل والتحلي برصانة وهدوء وصبر واصرار على التواصل والمواصلة بالتفاوض لتحقيق الاهداف الوطنية المنشودة.
في تقديمه لهذا الكتاب يذكر وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري ان المؤلف يستعرض في كتابه هذا ما دار في المفاوضات ويقوم بتحليل النصوص التي تمخضت عنها والظروف السياسية التي رافقتها عله يكون وثيقة تاريخية تعكس بشكل دقيق وصفااً وتحليلاً لذلك الحدث الهام في تاريخ العراق يمكن للباحثين العودة اليه عند الحاجة .
يحتوي الكتاب على ستة فصول وخاتمة تعالج الموضوعات التالية : العراق والفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، التمهيد لمفاوضات سحب القوات الامريكية، تطور المفاوضات، الجولة الثانية من المفاوضات، مجلس النواب واتفاق سحب القوات الامريكية، آراء حول اتفاق سحب القوات الامريكية من العراق.. وينتهي الكتاب بخاتمة مقتضبة ولكنها ضرورية لفهم ما حدث فقد زينها المؤلف بملاحظات ذكية . وككل باحث اكاديمي جاد زود الكاتب الباحثين بقائمة مرجعية للمصادر العربية والاجنبية.
يرى المؤلف ان تجربة المفاوضات لسحب القوات الامريكية من العراق تجربة غنية بالعبر والدروس وفيها خدمة وطنية جليلة للعراق. ويعتبر اختياره من قبل المجلس السياسي العراقي بالاجماع لهذه المهمة تشريفاً له وتعبيراً عن الثقة التي يعتز بها.. وبهذه القيم من الشرف والوطنية قاد الحاج حمود وفد التفاوض .
ومما لا ريب فيه ان الوفد العراقي المفاوض متحلياً ببراعة الحوار ومهنية الخبرة، ومستفيداً من كل تجارب التفاوض السابقة لدول عديدة مثل: المانيا وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة، قام بعمل غاية في الاهمية الوطنية في جولات التفاوض التي استمرت قرابة الثماني اشهر من عام 2008 .. ويرى بعض الخبراء الدوليين ان ما حققه المفاوض العراقي من مكاسب في اتفاقية سحب القوات الامريكية نال اعجاب العديد من الدول التي سبق ان عقدت اتفاقات مماثلة مع الولايات المتحدة الامريكية .
لقد افرد المؤلف فصلين من كتابه للتذكير بتفاصيل عملية التفاوض مشيراً الى نقاط الخلاف مع الطرف الامريكي، والكيفية التي تجاوز فيها الوفد العراقي- الذي فاوض بتأني واصرار لتحرير العراق من الاحتلال العسكري- الكثير من العقبات التي أدت الى توقف المفاوضات ومن ثم عودتها في الجولة الثانية لتحقيق الهدف الوطني العراقي بسحب القوات الامريكية استكمالا لاسترجاع السيادة العراقية على الارض والشعب..
ولابد من التذكير هنا ان المفاوضات كانت عسيرة للغاية لكونها كانت تجري بين طرفين غير متكافئين: طرف امريكي قوي يتحدث باسم قوة عسكرية محتلة ومن خلفه تقف قوة دولية عظمى وطرف عراقي جبهته الداخلية مشتتة ضعيفة وفي غالبية الوقت متصارعة بين مكوناته، يفاوض من موقع الضعف باعتبار العراق بلداً محتلاً، وبناء عليه لم يكن امام المفاوض العراقي سوى الاعتماد على علاقاته الدولية من ناحية، وعلى توفر البيئة الملائمة في سياسات الادارة الامريكية الجديدة برئاسة باراك اوباما الراغبة بانسحاب قواتها من العراق باقرب وقت ممكن، وذلك من اجل تحسين صورتها الدولية ووقف خسائر قواتها المتعاظمة في العراق وتلبية للتذمر المتصاعد لدى المواطنين الامريكيين .
وفي نهاية المطاف تكللت جهود الوفد العراقي المفاوض بالنجاح الكبير، ولاول مرة منذ الاحتلال عام 2003 يعلن الرئيس الامريكي باراك اوباما في كلمته الى الامة الامريكية في 31 من اب عام2010 انتهاء العمليات القتالية الامريكية في العراق، ويبشر الامريكيين ان اتفاقاً قد عقد بين بلاده والعراق يتعلق بانسحاب القوات الامريكية من العراق ، وفي 21 من تشرين الاول عام 2011 اعلن اوباما ان الحرب قد انتهت بعد تسع سنوات، وان بلاده ستكمل سحب قواتها من العراق بنهاية عام 2011.
تلك هي قصة المفاوضات التي يرويها السفير المخضرم محمد الحاج حمود في كتابه المرجعي الهام بسلاسة وبمادة توثيقية على قدر كبير من الاهمية .