أحزان الأرامل

اتخذت من احزانها دافعاً للبقاء والمحافظة على افراد اسرتها الذين تعلقوا بأذيال ثوبها بعد ان استشهد زوجها الذي انخرط في صفوف الحشد الشعبي تلبية لنداء المرجعية العليا، لم تبالِ بأوجاعها وآلامها، كان كل همها المحافظة على ما تبقى لها من رذاذ عطر حبيبها. تخلت عنها وعن ابناء الشهيد المؤسسات المعنية بأسر الشهداء الذين تركوا خلفهم ايتاماً وارامل وامهات ثكلى تنوح صباحاً ومساءاً على فراقهم من دون سابق انذار.
اتشحت بالسواد وتنقبت به وأصبح اللون الذي تبصر به، تأزرت بذكرياتها وكلمات شريك دربها الذي وعدها بعدم التخلي عنها وعن ابنائه، كانت تنحني لجمع علب» البيبسي» ومع كل انحناءة تسكب عيونها الدموع على ما حل بها من شقاء وعذاب وحسرة.
كانت تستيقظ فجراً لبدء يومها بين اكوام النفايات التي اصبحت مصدراً لعيشها هي واطفالها، الذين اعتادوا البكاء وقت خروجها ولا يتبسمون الى حين عودتها مع غروب الشمس، وكأن الشمس ابت ان تفارقها قبل ان تطمئن على عودتها الى اطفالها.
تجتمع هي وزميلات المهنة ليبثن همومهن وشكواهن بعد ان فقدن المعيل والازواج واكتفين من السؤال بغير اجابة، هجرنَ الدنيا وابتعدن عن كل ملذاتها، كل همهن توفير لقمه العيش للأيتام الذين حرموا حق العيش الكريم على ارض ارتوت بدماء ابائهم.
تلك النسوة المسلوبات الحقوق لم يكن في حساباتهن ان باستشهاد ازواجهن سوف يجري الغاؤهن من سجل الباقين على قيد الحياة والحكم عليهن بالموت جوعاً وفقراً وتجاهل حقوقهم التي واجب على الدولة منحهم أياها وفي مقدمتها العيش الكريم والتعليم، الذي حرم منه اغلب ابناء الشهداء.
آلاف الارامل والايتام لم يكن حصتهن من ارض هذا الوطن سوى مهنة جمع النفايات وبيعها لتوفير ما يسد رمق عيشهم ويمنعهم ذل العيش والسؤال، الذي أصبح شبحا يطاردهم بين الحين والحين الاخر، في وطن من ضحى بدمه يتلظى ابناؤه جوعا ًوقهراً، ومن باعه يعيش في جنات النعيم.
ليظل السواد علم الفقر ورايتهم الخفاقة التي لم يتجشم احد عناء انزالها او العمل على استبدال لونها بألوان الفرح والحياة بدلاً من لون الموت والحزن.
زينب الحسني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة